بقلم : د.عبدالله الصارمي و د.هناء محمد أمين
كما ان تمكين المرأة والاستفادة من التحول في الطلب المتغير على المهارات سيكون أمرًا أساسيًا أيضًا، حيث تشكل النساء في دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من 50٪ من الطلاب المسجلين في العلوم، ومجالات التكنولوجيا والهندسة والرياضيات في المستوى الجامعي. وسوف توفر الوظائف الرقمية فرصًا للنساء للعمل فيها لما توفره من مزايا مثل المرونة ونماذج العمل القائمة على المشاريع.
وفيما يخص البلدان المصدرة للعمالة فإنها شرعت في وضع استراتيجيات تهدف الى تبني اساليب متقدمة وتقنيات متطورة في القطاعات الصناعية الاستراتيجية، وتسارعت هذه الجهود منذ جائحة كورونا. على سبيل المثال قيام فيتنام على ربط مناهج التعليم والتدريب بها مع احتياجات المهارات الناشئة. حيث تحدد استراتيجيتها الوطنية للثورة الصناعية الرابعة سلسلة من السياسات بهدف تعديل المناهج التعليمية بما في ذلك التدريب المهني. وتتضمن الإستراتيجية بشكل ملحوظ ملف المهارات الناعمة، في حين أن الاستراتيجيات في كمبوديا وإندونيسيا والفلبين ما زالت جامدة للغاية في المناهج الدراسية. وفي محاولة لمعالجة الجمود في نظامها التعليمي، أنشأت الفلبين خريطة وطنية لمهارات القرن الحادي والعشرين من خلال المشاورات مع أصحاب العمل لتحديد احتياجات المهارات الناشئة والثغرات في مهارات القوى العاملة الوطنية. كما اخذت الخطة أيضًا بعين الاعتبار تأثيرات الثورة الصناعية الرابعة على الوظائف والمهارات. وفي الهند تم تطوير إطار المؤهلات الوطنية للمهارات القائم على الكفاءة، وتنظيم المعايير المهنية لتطوير مهارات المستقبل بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل الناشئة.
واشار التقريرالى التأثيرات الفورية على الدول المصدرة للعمالة حيث إن الهجرة المكثفة من قطاعات معينة قد تخلق نقص في العاملين فيها في تلك البلدان. ويعد قطاع الرعاية الصحية هو أحد القطاعات التي يكون فيها النقص نموذجيًا حيث تواجه دول جنوب شرق آسيا أكبر نقص في العاملين الصحيين في العالم، ما من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض في الخدمات المقدمة وتدني جودتها، خاصة وأن من يغادرون بشكل عام يتسمون بمستويات عالية من التدريب والخبرة والمهارة. وبدأت بعض الدول بمحاولات في التقليل من هذه الآثار السلبية المتعلقة بالهجرة. ففي وقت مبكر من جائحة كورونا حظرت الحكومة في الفلبين هجرة العاملين في مجال الرعاية الصحية، ولكن تم رفع الحظر واستبدلته لاحقا بحد أقصى قدره 5000 عامل رعاية صحية يسمح لهم بالهجرة سنويًا. كما يؤدي نقص العمالة إلى جانب احتمالات الهجرة إلى الخارج إلى زيادة مخاطر هجرة الأدمغة من الدول المصدرة. ولتقليل العواقب السلبية، حيث يمكن للدول المصدرة والمستقبلة الاستفادة من التجارب العالمية مثل»مشروع معالجة نقص العمالة من خلال نماذج مبتكرة لهجرة اليد العاملة»، الذي تم تنفيذه في عام 2019 من قبل وكالة التنمية البلجيكية - بالشراكة مع منطقة فلاندرز البلجيكية والمغرب. يقوم المشروع بتدريب العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المغرب لتلبية النقص في العمالة وعدم تطابق المهارات في هذا القطاع في كل من فلاندرز والمغرب. ووفقا لهذا الاتقاق يجد نصف المتدربين وظائف تتطلب ذات المهارات في بلادهم ، بينما يهاجر النصف الآخر إلى بلجيكا.
لقد زادت المنافسة العالمية على العمالة المهاجرة من ذوي المهارات العالية مع الرقمنة. واظهر تقرير منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي عن المهارات لعام 2019 زيادة الطلب على الوظائف المختلفة التي تتطلب مهارات رقمية مثل مطوري البرامج والتطبيقات ومحترفي قواعد البيانات والشبكات وفنيين عمليات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ونظرا لارتفاع الطلب على هذا النوع من العمال ونقص المهارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات طبقت العديد من الدول مثل كندا والصين وألمانيا سياسات تأشيرات مواتية لجذب العمال من ذوي المهارات الرقمية. وتعتبر الهند موردا كبيرا للعاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والخريجين الجدد في المجالات نفسها، الذين يحصلون عادة على وظائف في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والدول الأوروبية، وستواجه دول مجلس التعاون الخليجي المنافسة شديدة لجذب العمال ذوي المهارات المناسبة للعمل في القطاعات التي تعتمد بشكل كثيف على التكنولوجيا.
ومع برامج تطوير رأس المال البشري في الدول المصدرة للعمالة، يجب أن تكون أنظمة هجرة العمالة كذلك قادرة على التعرف على المهارات المطلوبة وتقييمها واستهدافها. وتعد أنظمة التوظيف الخاصة بالهجرة أساسية أيضًا لتطوير مهارات الثورة الصناعية الرابعة، من خلال العمل كجسور بين الاقتصادات المصدرة والمستقبلة للعمالة. ويمكن العمل على وضع إطار عمل اقليمي للمعايير لتسهيل التقييم والاعتراف بمهارات العمال المهاجرين، حيث ستحدد هذه المعايير المهارات المطلوبة في قطاع معين وتوفير إطار عمل مرن يمكن للشركات تخصيصه واستخدامه في بلدان مختلفة ليناسب نظم الاعتراف بالمهارات في مختلف البلدان. وأعادت الدول المصدرة للعمالة التفكير في نوعية البرامج التدريبية للعمالة، حيث تركز هذه البرامج على الاستخدام المتزايد للتكنولوجيات الجديدة. ولسد الفجوة في هذا الجانب فلا بد من تطوير شراكات ثنائية وإقليمية مبنية على المهارات بما يعود بالفائدة على كل من الدول المصدرة والمستقبلة للعمالة.
ان لكل من الدول المصدرة والمستقبلة للعمالة لها خصوصياتها وثقافاتها وتوقعاتها وتفردها في النهاية، ففي حين يمكن استخلاص المبادئ من مجموعة الممارسات الجيدة المتزايدة في جميع أنحاء العالم، إلا أن الحاجة أصبحت ماسة لبناء حوار إقليمي مستدام حول الهجرة. فالتغير في استراتيجية مستقبل التوظيف يتطلب نهجًا إقليميًا لسياسات الربط بين الهجرة والتنمية، ومشاركة أكبر مع الحكومات المحلية، كما يتطلب في الوقت نفسه فهما أفضل للشباب المهاجرين وآلية اندماجهم -على وجه التحديد- في البلدان المستقبلة، وفي المقابل المساهمة في تنمية بلدانهم الأصلية. ان استراتيجيات التنمية تأخذ في الاعتبار على نحو متزايد التغيير في العمليات الصناعية العالمية، ولكنها تغفل تأثير ذلك على تنقل العمالة. ولتتكيف إستراتيجيات التنمية مع هذه التغييرات، يجب أن تأخذ في الاعتبار المهارات الجديدة وتأثيرها على هجرة اليد العاملة، مما يتطلب ان يترجم ذلك إلى إجراءات سياسية ملموسة في الدول المصدرة والمستقبلة.
وفي ضوء الانتقال الى قطاعات التكنولوجيا ذات القيمة الاعلى في دول مجلس التعاون والدول المصدرة للعماالة ولو بوتيرة ابطا من نظراىهم في الدول المستقبلة، يوصي التقرير بأربع مجالات سيكون دور الدول المصدرة للعمالة فيها محوريًا في إقامة شراكات وترسيخ مستقبل سلس ومرن للعمل في كل من الدول المستقبلة والمصدرة للعمالة. وضع آليات للهجرة تضمن الاعتراف بالشهادات التعليمية من قبل أرباب العمل في البلدان المستقبلة للعمالة، وإنشاء شراكات لتعزيز المهارات تعود بالنفع على كل من بلدان المنشأ والمقصد، وتحفيز الحوار بين المؤسسات التعليمية وأرباب العمل على المستوى الوطني،تعزيز وتشجيع تبادل البيانات عبر الدول المصدرة للعمالة.