بقلم : د.عبدالله الصارمي و د.هناء محمد أمين
ان إدخال التكنولوجيا يؤدي الى فقدان بعض الوظائف، ولكنه في الوقت ذاته يخلق وظائف جديدة تطلب مهارات مختلفة مما يعني ضرورة تنمية تلك المهارات لدى العمال للانتقال للوظائف الجديدة. وتواجه الدول المصدرة للعمالة طلبًا متزايدًا في المجالات ذات الصلة بالتكنولوجيا الجديدة في دولهم، وقد وجدت دراسة استقصائية حديثة أن توافر المهارات الرقمية المناسبة لدى القوى العاملة هي مصدر قلق لـ 80٪ من الرؤساء التنفيذيين على مستوى العالم .ان نقص المهارات في دول جنوب وجنوب شرق آسيا في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات هو في الواقع أعلى من المتوسط العالمي (45٪ مقابل 28٪) ويقدر اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية أن حوالي 60٪ إلى 70٪ من القوى العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ستحتاج إلى إعادة صقل مهاراتها أو إعادة تدريبها في قطاعات مثل التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا النانو وتقنية التحليل المتقدم وإعداد التقارير . وتشير الأدلة أيضا إلى نقص المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من حملة درجة الماجستير وما فوقها، ومطوري المواقع الالكترونية (خاصة مطوري Android) والمبرمجين ومصممي الجرافيك هم الأكثر صعوبة في شغل هذه الوظائف في إندونيسيا، وتشير الدلائل في تايلاند، إلى وجود نقص في وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تتطلب مهارات عالية او مهارات متوسطة.
على الرغم من تزايد الاهتمام بمجالات التعليم المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، الا ان الالتحاق بالتعليم والتدريب التقني والمهني لايزال منخفضًا، والسبب هو نظرة المجتمع لهذا النوع من التعليم حيث يُنظر إلى برامج التعليم والتدريب التقني والمهني عمومًا على أنها من الدرجة الثانية، وهو ما يفسر سبب تفضيل برامج التعليم العام الأخرى. فعند المقارنة مع فنلندا والمملكة المتحدة، على سبيل المثال، حيث بلغت نسبة التحاق طلاب المرحلة الثانوية في التدريب المهني أعلى من 45٪ في عام 2016، في حين أن معظم البلدان الآسيوية الناشئة لديها معدلات التحاق منخفضة، ففي الفلبين على سبيل المثال، كانت النسبة حوالي 6٪ في عام 2017، وفي الهند أقل من 2٪، باستثناء ملحوظ في إندونيسيا حيث يبلغ معدل التحاق الطلاب المسجلين في التدريب المهني ما يقرب من 20 ٪ بعد الإصلاح في نظام التعليم والتدريب التقني والمهني في الدولة ، والذي يهدف الى ربط أفضل بين التعليم والمهارات المطلوبة في سوق العمل، حيث تركز حوالي 56٪ من المدارس الثانوية المهنية الإندونيسية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وحوالي 46٪ تركز على التكنولوجيا والهندسة.
وتناول التقرير بعد ذلك المهارات المستقبلية في الدول المستقبلة والمصدرة للعمالة حيث ستزيد التقنيات الجديدة من الطلب على المهام المعقدة التي يتم تنفيذها وسيؤدي تقليل المهام الروتينية إلى تحرير العمال للتركيز على المهام الأكثر تعقيدًا وسيسمح لهم قضاء المزيد من الوقت في المهام عالية القيمة مثل التفكير النقدي، وتدريب الآخرين، والتواصل مع الناس، وتطوير استراتيجيات وخطط عمل جديدة. ومع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المزيد من أماكن العمل، سيحتاج القادة والمنظمات والعمال إلى إعادة تحديد وتعريف مهامهم باستمرار وتحين الفرص للتقنيات الحديثة التي تعمل على تعزيز قدراتهم. كما ان هناك المهام التي لا يمكن أتمتتها بسهولة وتشمل الإدراك والذكاء الإبداعي والذكاء الاجتماعي، ولا سيما المهام التي تنطوي على التفاوض والإقناع والرعاية، فالوظائف التي تتطلب مهارات عالية تكون التكنولوجيا فيها مكملة للقدرات البشرية. كما أدى ذلك إلى تحويل الانتباه إلى المهارات الناعمة، لأنها توفر للعاملين ميزة نسبية وتفضيلية على الروبوتات. وفي مسح اجري لتقرير عن مستقبل المهارات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يعتقد 57٪ من محترفي التعلم والتطوير أن المهارات الناعمة كانت أكثر أهمية من المهارات الفنية للتقدم الوظيفي لأنها تمثل موهبة بشرية فريدة في مواجهة الأتمتة ومساعدة الموظفين على التكيف وإعادة التدريب للحفاظ على أدوارهم. وفي سياق الأتمتة، والخدمات الموجهة للروبوت والذكاء الاصطناعي، فان الخدمات بين الأفراد ومهارات التعامل مع الآخرين تأتي في المقدمة. ويلاحظ بان اهمية مهارات التفكير التحليلي، والقدرة على التعلم، وحل المشكلات، والمرونة، والتواصل، والتفكير الإبداعي، والعمل الجماعي والقيادة وإجادة اللغات وبالأخص اللغة الانجليزية في تزايد مستمر. واشار تقرير مستقبل الوظائف 2020 إلى ان التفكير التحليلي والابتكار والتعلم النشط وحل المشكلات والتفكير النقدي والإبداع كأفضل خمس مهارات لعام 2025.
وفي حين أن المهارات الناعمة مطلوبة إلى حد كبير من قبل أرباب العمل الا ان هناك صعوبة لتقييمها بصورة كمية ولا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع لتطبيقها، ويشير تقرير اتجاهات المواهب العالمية لعام 2019 إلى أن 57٪ من الشركات التي شملها الاستطلاع تعاني من تقييم المهارات الناعمة بدقة. فعدم وجود عملية رسمية واضحة لتقييم كمي لهذه المهارات يعني أن التقييمات غالبًا ما تستند إلى الآراء الشخصية والتي غالبًا ما تكون منحازة عن غير قصد. واشار التقرير الى اقتراحات حول كيفية تدريس مثل هذه المهارات، إذ يشير على أنه يجب على الأشخاص أولاً تطوير الخبرة المتخصصة قبل اكتساب المهارات الناعمة مثل حل المشاكلات. بعبارة أخرى، غالبًا ما يتم اكتساب المهارات الناعمة بشكل أفضل في سياق إتقان معين من خلال الخبرة التجارية أو المهنية. في ضوء ذلك، فإن مؤسسات التعليم والتدريب التقني والمهني في سنغافورة على سبيل المثال، ابتعدت عن ورش العمل والمختبرات التقليدية من خلال انشاء مرافق التعلم التي تحاكي نموذج مكان العمل الفعلي حيث يمكن للطلاب التقاط المهارات الناعمة اللازمة لمهن معينة.
وبرى التقريران الابتكارات التكنولوجية سوف تؤثر على الدول والعاملين بشكل مختلف مما يتطلب برامج مختلفة في تطوير المهارات. فالعمال الذي يفقدون عملهم سوف يحتاجون الى إعادة تأهيل وتعلم مهارات جديدة ومن المحتمل العمل في قطاعات جديدة كلية. والبعض الآخر من العمال سوف يواجه تغير في المهام التي يقومون بها مما يتطلب رفع مهارات معينة من خلال التدريب القصير الأجل او التدريب على رأس العمل.
وفيما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي فمن الملاحظ ان انظمة التعليم فيها تركز على الشهادات بدلا من المهارات التي يتطلبها سوق العمل. وتعتمد في المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية على الحفظ بدلا من التفكير النقدي وحل المشكلات والعمل الجماعي التعاوني والعاطفي الاجتماعي والمهارات الرقمية. وباتت الحاجة ملحة الى تحديث المناهج الدراسية التي تساعد الطلبة على امتلاك المهارات التي يتطلبها الاقتصاد الجديد، وبالأخص مناهج التعليم التقني والمهني والتعليم العالي. ووجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة Ernst and Young عام 2014 مع 100 شركة و1000 طالب في دول مجلس التعاون الخليجي أن هناك فجوات كبيرة بين المهارات التي يتم تدريسها وتلك التي يطلبها أصحاب العمل، مشيرة إلى أن 16٪ فقط من أرباب العمل شعروا أن المهارات المحددة التي تتطلبها صناعتهم يتم تدريسها للطلاب. لذلك أصبح من الضرورة بمكان وضع خطة مستقبلية تركز على التدريب المهني جنبا إلى جنب مع التعليم الأكاديمي.