بقلم : د.عبدالله الصارمي و د.هناء محمد أمين
يعد الالتحاق بالتعليم والتدريب التقني والمهني في دول مجلس التعاون الخليجي منخفضًا، مما يعكس الموقف العام تجاه هذا النوع من التعليم على الرغم من استثمارات حكومات دول مجلس التعاون الخليجي فيه كجزء من خطط الرؤية الاقتصادية، إلا أن التسجيل في البرامج المهنية بالمرحلة الثانوية أقل من 2٪ في عمان والمملكة العربية السعودية وقطر، و2.5٪ في الإمارات و4٪ في الكويت ما عدا البحرين التي لديها معدلات التحاق أعلى من باقي دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى حيث بلغت نسبة الالتحاق بالتعليم الثانوي ما نسبته 14٪ من طلاب المرحلة الثانوية في عام 2018. كما أنه لا تزال خيارات التعليم والتدريب التقني والمهني مقصورة في الغالب على الذكور، مما يفسر انخفاض نسبة التعليم والتدريب المهني والتقني للإناث في هذه البرامج. كما زادت مشاركة المرأة في القوى العاملة بشكل حاد منذ عام 2000 ويمثل ذلك فرصة لدول مجلس التعاون الخليجي. فمعدلات مشاركة الإناث في العمل تتراوح من 45٪ إلى 57٪ في عام 2020، فمشاركة المرأة في القوى العاملة في قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين أعلى منه من عمان (36٪) والسعودية (22٪) ويمكن أن تساعد الاجراءات الرامية إلى تحسين قابلية توظيف الاناث على الاستفادة من رأس المال البشري في المنطقة بشكل أفضل وملء فجوات العمالة، وتحديداً تلك التي تم تكييفها مع التقنيات الجديدة.
وتلعب السياسات دورًا مهمًا في تغيير مشهد التوظيف في دول مجلس التعاون الخليجي. فقد أقرت هذه الدول عدد من السياسات لتامين وظائف لمواطنيها تضمنت تحديد حصة من الوظائف للمواطنين وتقنين التأشيرات وفرض العقوبات في حالة عدم الامتثال لسياسات الحكومة. واكدت خطط التنمية لاقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي على زيادة قدرة القطاع الخاص على استيعاب القوى العاملة الجديدة من المواطنين، فعلى سبيل المثال 40 ٪ من جملة الوظائف الجديدة التي ستتوفر في القطاع الخاص ستقتصر على العمانيين، مقارنة بمعدل 12 ٪ تقريبًا في عام 2016. كما ان عمان لا تسمح إلا بتوظيف المواطنين في قطاعات معينة بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات والهندسة والطيران، وأعلنت عمان أيضًا رفع رسوم تأشيرة العمال الأجانب. وقد كثفت جائحة كورونا، والانكماش الاقتصادي الناتج عنها في الوقت الحالي والمستقبلي، الجهود لتشديد القواعد الخاصة بدخول العمالة الوافدة. فقد أعلنت بعض دول مجلس التعاون الخليجي أنها ستتوقف عن إصدار تصاريح العمل أو تجديدها لفئات معينة من العمالة الوافدة، على أساس العمر أو قطاع العمل. وأصدرت آخري قوانين تسمح لأصحاب العمل المتضررين من الأزمة بإنهاء عقود العمال الوافدين. ومن المرجح أن يكون لهذه السياسات آثار طويلة الأمد على هجرة اليد العاملة إلى المنطقة.
في ضوء هذه المتغيرات وزيادة الطلب على المهارات الرقمية ومهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) في دول مجلس التعاون، تم اتخاذ تدابير لجذب الطلاب إلى هذه التخصصات. ففي الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، يتم تشجيع الشباب على الابتعاد عن دراسة إدارة الأعمال والتمويل والانتقال نحو مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وخاصة الهندسة. وعززت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا التغيير من خلال تدابير استراتيجية مختلفة لإحداث إصلاحات في نظامها التعليمي. فمن خلال استراتيجيتها الوطنية للابتكار لعام 2015 ، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة عدة مبادرات لتشجيع الطلاب لدراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، مثل «برنامج محمد بن راشد للتعلم الذكي»، وبرنامج «بالعلوم نفكر» وبرنامج «مهارات الإمارات» -وهي مسابقة وطنية تهدف لتشجيع الطلاب للدخول في الوظائف القائمة على التكنولوجيا من خلال التدريب المهني، كما أن استراتيجية الثورة الصناعية الرابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي تم إطلاقها في عام 2017 تركز على البحث في العلوم المتقدمة والذكاء الاصطناعي.
من جانب آخر تناول التقرير التغيرات في سوق العمل في الدول المصدرة للعمالة والدول الرئيسية المصدرة للعمالة لدول مجلس التعاون هي بنغلادش، وإندونيسيا، والهند، والفليبين، والنيبال، والباكستان، وسيريلانكا. وتشكل نسبة العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون من جملة العمالة التي تصدرها الباكستان حوالي 53.9%، والهند 53.5%، وأكثر من نصف العمالة المصدرة من هذه الدول مجتمعة تعيش في دول مجلس التعاون. وعليه فان احتمال حدوث ارباك في هجرة اليد العاملة عالي. ومن الامثلة الملموسة على ذلك هو حجم التحويلات التي تشكل على الاقل 5% من الناتج المحلي الاجمالي في ست بلدان وتصل الى 23% في النيبال. ان اي تغيير في تدفق الهجرة سوف يكون له تأثيرات فورية على اقتصادات الدول المصدرة للعمالة سواء عالية أو محدودة المهارة.
ومن هنا تظهر الحاجة الى قوانين وسياسات تحكم هجرة الايدي العاملة، وأخرى تنظم الاعتراف بالمؤهلات، وأخرى تتعلق باشتراطات العمل في الخارج. وتشمل السياسات الحالية في جميع البلدان شكلاً من أشكال الاعداد الالزامي قبل مغادرة العمال لبلدانهم بهدف رفع مستوى الوعي وتعريفهم بالمجتمع والاقتصاد وبيان حقوقهم في الدول التي سوف يعملون بها. وعلى وجه التحديد، تركز الدورات التدريبية عادة على ظروف العمل في الدول المستقبلة للعمالة الوافدة، وقوانين وعقود العمل، والجمارك، وحقوق ومسؤوليات العمالة الوافدة، والمخاوف الصحية، أو تدريب أساسي على اللغة والتدريب على المهارات الخاصة بقطاع معين وغالبا لا يتم تقييم برامج تطوير المهارات قبل المغادرة في الدول المصدرة للعمالة ، كما ان هذه البرامج لا تكون متوافقة مع ميطلبات اصحاب العمل في دول مجلس التعاون الخليجي ، مما يحد من تأثير هذه البرامج.
وتعمل الدول المصدرة للعمالة على مواجهة التحول في مشهد التوظيف في الخارج بوضع استراتيجيات لتنمية مهارات الايدي العاملة فيها للعمل في الخارج، حيث تعمل الباكستان وبنغلادش والفلبين على التركيز على ارسال العمالة الماهرة. ان التغير الاستراتيجي نحو تنوع المهارات لم يبن على الطلب في سوق العمل في الدول المستقبلة للعمالة فحسب، بل على المنافسة المتزايدة بين الدول المصدرة للعمالة الوافدة ادراكا منها بان تنمية المهارات تعظم الفائدة لها من حيث تنمية المجتمع والتحويلات المالية والتحولات الاجتماعية.
اما عن مدى استعداد الدول المصدرة للعمالة لمواكبة التغيير في مشهد التوظيف في دول مجلس التعاون يلاحظ ان نسبة كبيرة من القوى العاملة في الدول المصدرة للعمالة ليس لديها تعليم رسمي، على الرغم من أن الحصة آخذة في التناقص في جميع البلدان. حيث يشكل الأفراد الذين ليس لديهم تعليم رسمي غالبية العمال في أفغانستان، وبنغلاديش، والنيبال، والباكستان، ما يترجم النسبة الكبيرة من السكان الذين يعملون في وظائف محدودة المهارات. ومن المتوقع أن تؤدي الثورة الصناعية الرابعة إلى فقدان عدد كبير من العمال محدودي المهارة في الدول المصدرة للعمالة لوظائفهم الحالية والانتقال إلى فرص عمل جديدة.