بقلم : علي المطاعني
في الوقت تتاح الحصانة البرلمانية بحرية التعبير لأعضاء مجلس الشورى وفقًا للأطر والتشريعات المنظمة، إلا أن تطاول بعض الأعضاء يخرج عن السياق المطلوب في الاختلاف وحرية التعبير والتحصن خلف الحصانة البرلمانية للاتهام والقذف تارة أخرى والسخرية مرات، بل يعد سلوكًا غير مألوف في المجتمع العماني، بل انتهاكًا للآداب والأخلاقيات التي نشأنا عليها، ناهيك بأن مثل هذه الممارسات تخالف القيم الدينية الحميدة والاختلاف بين الناس والمخاطبة بالحكمة والموعظة الحسنة سنها المولى عزوجل في كتابه الحكيم.
ومن المحزن حقًا ما سمعنا واطلعنا عليه في وسائل التواصل الاجتماعي من ملاسنات واتهامات وقدف من أعضاء المجلس بين بعضهم البعض على غيره، في عادة من أعضاء تعشمنا فيهم الحكمة والرزانة والقول السديد حتى في أوج الاختلافات وتباين الآراء في مجتمع متحاب ويحترم كل فرد فيه الآخر، الأمر الذي يبعث على الأسى والحزن لما وصل إليه بعض الأعضاء من سلوكيات غير موفقة في التعاطي مع الاختلافات في تفسير الجوانب القانونية وفق الأهواء و الامزجة.
فبلاشك أن الحريات المتاحة في العمل البرلماني جيدة وفي مستويات الكثير من البرلمانات في العالم لإعطاء الأعضاء مساحة أوسع لمناقشة قضايا البلاد والعباد بكل أريحية وفسحة في الكلام، سواء بينهم كأعضاء في الجلسات أو في استضافة الوزراء والمسؤولين.. لكن أن يتجاوز البعض أداب الحديث ويخرج عن قبة المجلس إلى فضاءات الإعلام، فتلك سلوكيات مستهجة من العقلاء في المجتمع والنخب في البلاد. فهؤلاء أعضاء بينهم حدود من الاحترام والتقدير ولديهم أنظمة تتيح لهم المجال للحديث لكن لا تخرج خارج إطار المجلس بأي حال من الأحوال غير موفقة. فالاختلافات واردة في العمل البرلماني لكن لا يجب أن ينصب كل عضو منهم خصمًا وحكمًا ويتحدث عن تجاوزات بدون دراية قانونية، اللهم بأن يعكس نفسه بأنه جاهل بالقانون والنظام معًا. فالجوانب القانونية المنظمة لعمل المجلس ليست خاضعة للرغبات الشخصية بتمرير كل ما يريده العضو.. فإذا كان إلقاء البيان حق برلماني للأعضاء، لكن يجب أن يكون مستوفيًا إلقاءه كبيان عدد الأعضاء الذين يصوتون عليه أي المؤيدين والمعارضين، وفي هذه حالات يحتكم للمادة (45) من قانون المجلس، فإذا رجحت الكفة إلقاء البيان سيكون ذلك، والعكس صحيح، وليس أول مرة يلقي بيان في المجلس، وفق الإحصائيات فهناك من البيانات ألقيت في العام الفائت والفترات الفائتة من عمر المجلس لم تكن هناك ممانعة من أحد، لكن وفق الإجراءات القانونية ووفق مواقفة النسبة المطلوبة من الأصوات، لذلك فهو تجاوز يفتح أبواب الفوضى على مصراعيها لتمرير رغبات شخصية غير حاضية بالأغلبية المطلوبة.
فهذه إجراءات قانونية على أعضاء المجلس التقيد بها والإلتزام بها، وإلا فكيف يكون مجلسًا تشريعيًا، كما نتطلع بشرع القوانين والأطر والالتزام بها من الحكومة والمواطنين، وهو لا يلتزم بنصوص التشريعيات التي يعمل بها في ذلك مفارقة غريبة أن نكون بهذا التناقض الغريب.
والبعض الآخر من الأعضاء خرج عن المألوف في أدب الانتقاد فلم يكتف بالخروج على أعراف المجلس ونظامه والأطر التي تحدد مجالات النقاش وأصول الحديث بين الناس، بل ذهب يتهكم على الغير بدون علم متهمًا الأعضاء بسوء الاختيار، فقط لكي يرضي غروره المتعالي بالسخرية من المجلس وأعضاءه ورئيسه، في نسق غريب يسري في ردهات المجلس من أعضاء منتخبين من صفوة أبناء الشعب العماني المعروف بأخلاقياته الجمّة وقيمه الحميدة.. فاليوم بهذه السلوكيات غير السوية من بعض الأعضاء نحن أمام معضلة أن يكون ذلك في مجلس انتخبه الشعب لتمثيله أن يكون بهذا المستوى من التدني في التعاطي غير الإيجابي والتلاسن خارج حدود اللياقة.
ونسأل الأعضاء ماذا أبقيتم للمراهقين الذين يقولون ما لا يعلمون، إذا كنتم بهذه المستويات في التخاطب والتجادل بينكم وتحويل الاختلاف إلى خلاف يخرج من المجلس بعيدًا عن الاصوال والأخلاقيات والأنظمة، وما هي القدوة التي تقدمونها لأبنائكم الذين يتابعون سفاسفكم خارج المجلس وبطرق غير مستساغة أن تخرج من أفواه عامة الناس والجهلاء، فكيف تخرج من صفوة المجتمع.
بالطبع - كما أسلفنا - الحصانة البرلمانية موجودة ومصانة ولكن لا يجب أن تخرج عن حدود الأدب في الاختلاف والجدال مهما بلغت حدته بين الأعضاء وإدارة المجلس.. وغيرها، فالمحددات ذلك أمامنا تتمثل في قيمنا الدينية والاجتماعية والأعراف والتقاليد التي تفرض علينا احترام الغير والحديث بالمقبول.. نأمل من بعض أعضاء مجلس الشورى عدم الإساءة لهذه التجربة الديمقراطية التي ولدت لكي تتطور، ولكن لن تتطور بالتهكم والسخرية التي نراها ونسمعها تتناقل بين الأعضاء بين حين وآخر، ولا يجب أن نتجاوز الأطر والتشريعيات التي سنها وعدلها المجلس. فهذه المثل وتلك الأخلاق هي سياج لحماية كل تجربة من الانهيار مثل بقية التجارب التي انحطت إلى الدرك الأسفل من السفاف.