حتى لا نخرج حفظة وكتبة!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٤١ ص
حتى لا نخرج حفظة وكتبة!

بلقم : علي المطاعني

استغربت كثيرا من الإنتقادات القائلة بصعوبة الإمتحانات سواء الرياضيات أو اللغة العربية في مرحلة الدبلوم العام هذا العام، خاصة من قبل شرائح مثقفة ومتعلمة في المجتمع، ودفاعها المستميت عن الطلاب وضرورة مراعاتهم إلى غير ذلك من مبررات تعوزها الحكمة وتساق بناء عليه بدون معرفة أو دارية لما يجب أن يكون عليه واقع الحال، هذا إذا أردنا أن نخرج أجيالا متعلمة وقادرة على قيادة دفة الحياة في المستقبل الآتي، فهكذا دفاع تحت مزاعم صعوبة الإمتحانات وما يليها من مطالبات ما هي إلا جزءا من محاولات تروم تهميش وتصفير عقول الطلبة والطالبات، وحثهم على الراحة والدعة والخمول وتوديع حصون ومغارات الجد والإجتهاد والمثابرة والنضال المر والمرير من أجل هضم ولا نقول حفظ واستيعاب كل ما جاء في المقررات الدراسية من الغلاف للغلاف، اذا علينا كأولياء امور وكادر تعليمي تهيئة طلابنا سواء عبر المناهج التعليمية أو عبر البيت لمواجهة ماهو أصعب في هذه الحياة ومنها الإمتحانات، وهي العتبة الأولى في الطريق الطويل المفضي لصقل الإرادة وصهر الشكيمة، وبذلك ققط نصل للصلابة المطلوبة والواحب توفرها قسرا فيمن سيقودون سفينة الوطن في بحار المستقبل متلاطمة الأمواج.

طلابنا نرغب ان نراهم اكثر قدرة على الإستنتاج والتحليل الاستنباط، ونرغب ان نرى الذكاء في اعينهم يخطف الابصار كالبرق، وبالتالي لانرغب ان نراهم كالببغاوات يحفظون الدرس بدون فهم أو استيعاب لما هو مستتر خلف الكلمات، لقد ولى زمن الحفظ بما فيه ارقام الصفحات. فالاختبارات القائمة على جدلية الحفظ التقليدي القديم لن تخرج لنا جهابذة أو علماء يضطلعون بالأمانة كما ينبغي، ولا يمكننا ان نلوم وزارة التربية والتعليم إن كان الابناء يرومونها عوجا وعلى عدم قدرتها على الدفع بطلاب قادرين على تكملة المسيرة الأكاديمية في الجامعات والكليات أو الحياة العملية فيما بعد.

الأمر الذي يدفعنا لطرح تساؤلات عن كيف نرغب ان نرى ملامح المستقبل إذا كنا نصرخ الآن من صعوبة الامتحانات، حتى لو سؤال واحد وتضج بعدها مواقع وحسابات التواصل الإجتماعي بما يعف اللسان عن ذكره فضلا عن تنمر واضح لا تخطئة عين وان ارمدت.

بلاشك أن الإمتحان هو أهم عناصر التقييم للطلبة والطالبات وعلى وزارة التربية والتعليم أن تشدد على جودته وان تحرص على مخرجاته وعلى البيت والطالب أن يكونا جزءا من العملية التعليمية وفقا لهذا المفهوم فقط، وباعتباره خيارا مهما في ظل هذا التماهي والإهمال للدراسة من جانب الطلبة وبمساندة من أولياء أمورهم للآسف.

الجانب الآخر علينا أن نعي بأن يوم الإمتحان يكرم المر ء فيه او يهان نظرية من زماننا غير انها ما برحت حية تسعي في دهاليز التربية والتعليم.

وعلى ابناءنا ان يستعدوا له بكل الطرق الشرعية المتاحة والممكنة.

الحقيقة المثلى تشير إلى ان تخريج علماء وأدباء ومفكرين لن يأتي إلا من خلال ترسيخ هذا النوع من التعليم والمرتكز على الاستنتاج والاستقراء والتحليل والاستنباط وليس على الحفظ ومراعاة من لم يبذلوا جهدا أو عرقا من أجل الوقوق على قمم جبال النجاح الشاهقة علوا وشموخا.

لقد استغربت من الهجمة على نص شعري للشاعر سيف الرحبي في إمتحان اللغة العربية في وسائل التواصل الإجتماعية كأحد الأسئلة التي يقاس عليها فهم الطالب ومدى ‏مستوى ادراكه الحياتي عبر الوصول لما يرمي إليه الشاعر، ألا وهي تعقيدات الحياة كما هو واضح من عنوان القصيدة، فهذا النص الشعري رمزي ويشير لما وصلت إليه حياتنا اليومية من إشكاليات وبقدر اضحى فيه الشخص يلقي أخيه اوزميله أو صديقه في الأماكن العامة ومنها محطات تعبئة الوقود، وصف الشاعر للحياة وانشغالاتها ونظرة الناس لها بمنظار أسود يسوده التشاؤم إلى غير ذلك من منغصات الحياة اليومية.. فالاشكاليات هنا ليست في النص الشعري سواء كان نثري أو حداثي إلى غير ذلك من الأشكال الأدبية ولكن الإشكالية في عدم فهم الطلاب لما يرمي إليه الشاعر رغم وضوح عنوانه أو أنه هذا ما يجب أن يستوعبه أبناءنا الطلبة والطالبات في مناهجنا سواء الأدبية أو التطبيقية وهو الإسنتاج للنصوص الأدبية او استخلاص التجارب العملية والتطبيقية. اللوم لا يجب أن يقع على الشاعر سيف الرحبي ونصه الشعر، بل على مناهجنا التعليمية حيث يجب أن تكون نسبة كبيرة منها بهذا النحو كتغيير جذري في النظام التعليمي في البلاد.

في إحدى السنوات كان أبنائي يدرسون بأحد المدارس الخاصة، وانتقلوا لمدرسة خاصة أخرى لظروف القرب من السكن، لكنهم رفضوا الإستمرار في تلك المدرسة بعد عام واحد قضوه بها، مرة سألت الأوسط منهم سؤالا عن الفرق بين المدرستين، اجابتة اصمت اذناي

عندما قال في المدرسة الأولى كان المعلم يعمل التجربة والطلبة يشاهدون، أما في الثانية فالطلبة يقومون بالتجربة ويستخلصون النتائج والمعلم يشرف ويقيم ما توصلوا إليه وما يشرحه الطلبة، عندها قلت في نفسي هذا ليس تقييم لمدرسة أو معلم انه تقييم لكل مدارس السلطنة والنظام التعليمي برمته، خاصة إذا كان ذلك في مدرسةخاصة تعد من المستوى الثالث بمستويات المدارس الخاصة في السلطنة.

إن إصلاح النظام التعليمي يكمن في تغيير طريقة التعلم عبر استلهام طريقة التفكير والإبداع والاستنتاجات وليس الحفظ، وهذا مافعلته وزارة التربية والتعليم في الامتحانات وهذا ما تستحق الشكر عليه.

لنا أن نعلم أن نسب النجاح في بعض دول المغرب العربي لا تتجاوز ال 30 بالمائة لصعوبة الامتحانات في تلك الدول فصعوبتها هي الأساس الصحيح لقياس المستويات وليس تقديم المساعدة إليهم لفشلهم في الارتقاء بمستوياتهم الأكاديمية.

نأمل أن نعزز روح التفكير والإستنتاج والتحليل وغيرها من الوسائل الهادفة لتفريخ علماء ومفكرين وأدباء ومبدعين.