بقلم: على بن راشد المطاعني
تمكين الشركات المحلية في البلاد يجب أن يغدو سياسة حكومية ثابتة تُسهم بها كل الجهات لبناء كيانات اقتصادية بمرور الوقت كغيرها من الشركات الوطنية والعالمية التي بدأت من الصفر إلى أنْ وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
لقد ثبت لنا في الأيام الماضية أهمية هذه الفلسفة عندما بدأت الشركات العالمية خاصة في قطاع النفط والغاز بتسريح الشباب العُماني رغم المشروعات التي أُسنِدت لها بمليارات الريالات، إلا أنَّها تعاملت مع الأمور بانتهاء بعض المشروعات في حين أنَّ لديها الكثير، وما حدث يؤكد دقة المثل القائل (ما يحك جلدك مثل ظفرك) وهو ما نرغب في أنْ تنتبه الحكومة إليه خاصة في قطاع النفط والغاز الذي يُسند له مشروعات كثيرة بمئات الملايين من الريالات تذهب خارج حدود الوطن للأسف بدواعي الخبرة تارة وحجم الشركات تارة أخرى وغيرها من المبررات التي يمكن تطويع بعضها على مقاسات الشركات الوطنية بتقسيم المشروعات على عدة شركات وطنية أو إلزامها بالارتباط بالشركات المحلية وغيرها من الإجراءات التي يمكن للجهات الحكومية أن تتبنّاها في سبيل بناء كتل اقتصادية تكبر يوما بعد الآخر مع المزيد من التمكين والاهتمام.
بلا شك أنَّ الشركات الوطنية أثبتت يوما بعد الآخر أنه وكلما مكنتها الجهات الحكومية واهتمت بها ردّت الجميل بالأجمل منه خاصة الشركات التي لديها استدامة في مشروعاتها وأعمالها، وهو ما يجب البناء عليه في كل القطاعات خاصة القطاع النفطي الذي عليه مسؤوليات كبيرة للنهوض بهذا الجانب باعتبار أن المشروعات الوطنية أولى بها الشركات الوطنية قبل غيرها، وبذلك ستغدو بإذن الله عالمية بعد فترة من التمكين والاهتمام .
وإذا لم يحدث ذلك كيف لها أنْ تتطوَّر وتكبر؛ فالنواة الأولى للنهوض بهذه الشركات تأتي من الداخل، والحكومة مهتمة بذلك أصلا، لكن الأمر يتطلب المزيد من المراقبة والمحاسبة من جانب الأجهزة المختصة في حول ولماذا تُسند أعمال لشركات خارجية؟ وأنْ يُحاسب المقصرون في ذلك على اعتبار أنَّ ذلك يُعد إخلالا بتوجه حكومي يجب أن يُنفذ بحذافيره.
إنَّ بناء الشركات مسؤولية كبيرة اضطلعت بها الحكومة منذ سبعينيات القرن الماضي مما أسهم في إنشاء كيانات كبيرة تعمل اليوم في العديد من القطاعات الاقتصادية، ولولا الدعم الحكومي والإسناد لمشروعات وتمكينها فإننا لم نكن لنلحظ أي شركات وبالحجم الذي هي عليه الآن، إلا أنَّ هذه الفلسفة بدأت تخفت بمرور الوقت لتشابك المصالح وتعدد الجهات، مما صعّب من وجود شركات وطنية جديدة بحجم تلك الشركات التي تشكلت في السبعينيات والثمانينيات، وصعود نجم شركات عالمية تأتي كما يُقال (اضرب واهرب) بحيث تأخذ مناقصات ومشروعات وبعدها تخرج تاركة "الجمل بما حمل" وهي عينها التي تُنهي خدمات المواطنين ولا تثري الأسواق المحلية إلى غير ذلك من أمور يعلمها الجميع.
في الفترة الماضية ظهرت مفاهيم القيمة المحلية المضافة في صور ضيقة وتمثلت في جوانب بسيطة أشبه بذر الرماد في العيون لكن الإشكالية الأكبر في تجسيد هذا المفهوم يتمثل في بناء كيانات اقتصادية تغرس ثمارها وتدور أموالها في البلاد، كمفهوم أعمق للقيمة المضافة، ولعل تجربة شركات الامتياز المحلية واحدة من التجارب الجيدة في مناطق الامتياز النفطية التي جاءت بتوجيهات من المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد - طيّب الله ثراه، واليوم نشاهد هذه الشركات كيف تبحر في قطاع النفط وأضحت كيانات كبيرة ولله الحمد، وأنشئت في السنوات الماضية 5 شركات كبيرة على غرار تلك التجربة لتوسيع قاعدة المستفيدين .
هذه التجربة يجب أن تُكرر في قطاع النفط والغاز للشركات المحلية بشكل أوسع بإعطاء الأفضلية للشركات الوطنية في المشروعات الإنشائية والخدمية لمجالات النفط، لبناء مثل هذه الشركات في هذه القطاعات.
بالطبع هناك جهود من بعض الجهات والشركات العاملة في مجال النفط والغاز ولكن ما زالت دون المستوى المطلوب وبعيدة عن الرقابة والمحاسبة وعرضة للأمزجة الشخصية ولا تحتكم لمعايير وطنية تذكر، فهي لا تعدو أن تكون واجهة لشركات عالمية تستعين بها لتأخذ نصيب الأسد من ريع مشاريع لا تنفذها .
فهذه الحقائق وغيرها مؤلمة أن تكون في بلادنا بعد 50 عاما من النهضة، إذ من المفترض أن تكون شركاتنا قادرة على أداء الكثير من الأعمال بشيء من الاهتمام والتمكين وتكون لدينا أهداف أعلى تتمثل في بناء اقتصاد وطني راسخ أكثر من بناء شركات خارجية.
نأمل من الأجهزة الحكومية والرقابية أن تضع يدها على هذا القطاع لكي تراقب ما يجري فيه من ممارسات خاطئة تفضي لاستبعاد شركات وطنية قادرة على أداء ما يوكل إليها وبجدارة.