نحو دور أكبر للبنك المركزي العماني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/أبريل/٢٠٢١ ٠٨:٢٩ ص
نحو دور أكبر للبنك المركزي العماني

بقلم : علي المطاعني

يظل دور البنك المركزي العُماني هو الفيصل في معالجة تداعيات الأزمة الإقتصادية والمالية والصحية الناتجة عن تأثيرات فيروس كورونا، وسيبقى هو صاحب القدح المعلى في كل الجهود المبذولة ما برحت في هذا الصدد وبإعتبار أن المال هو أساس الإقتصاد بل هو العمود الفقري للتنمية المستدامة في البلاد.

الأمر الذي يتطلب من المركزي أن يلعب دورا محوريا كبيرا في الفترة القادمة بعد مضي عام على بداية الأزمة الصحية، ومن خلال معالجة الإلتزامات على الشركات وإضفاء تسهيلات أكبر لقدراتها وليتسنى لها بعدئذٍ مواجهة الظروف المالية التي ربما تؤدي إلى إفلاسها وخروجها من السوق نهائيا تاركة الجمل بما حمل كما يقال وراءها، هذا إن تم العثور على الجمل أصلا.

فبلاشك أن التمويل والتسهيلات المالية هي عصب الحياة والإقتصاد معا، وبدونهما لا يمكن أن تستقيم الأمور مهما عملنا وقدمنا وبذلنا من جهد، ولعل مؤشرات تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 16.5% بنهاية الربع الثالث لسنة 2020 مقارنة مع نفس الفترة من عام 2019 لهو خير دليل على التحديات التي تواجه الإقتصاد الوطني وفقا لقراءة المؤشرات الإقتصادية المقترنة بالتراجعات المتوالية، إذ تشير البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن التراجع ناتج عن إنخفاض القيمة المضافة للأنشطة النفطية وغير النفطية بنسبة 24.4%، هي معلومة في غاية الأهمية يجب أن يدركها الجميع ويعمل على ضوءها في إطار منظومة وطنية تسهم في الحد من تداعيات وإسقاطات هذه الحقيقة على الواقع الإقتصادي الراهن، فمع التسهيلات التي مُنحت في الفترة الماضية، إلا أنها لم تلامس الواقع بنحو كامل، فتباينت التعاملات بناء عليه وفرضت الشروط من جانب المصارف مما ضاعف الأزمة على أصحاب الشركات والمؤسسات على صعيد جدولة القروض وإلتزاماتها المالية أو من خلال زيادة الفائدة طبقا للوضع الإقتصادي الراهن أو بزيادة نسب التأمين على القروض والضمانات المطلوبة وغيرها من الطلبات التي ترهق المتعاملين ولا تؤدي إلى صياغة حل لإشكاليات الواقع الإقتصادي بشكل عام والشركات بشكل خاص مع حذر كبير جدا من التطورات التي يشهدها العالم والسلطنة تحديدا، خاصة التوجهات الرامية لتطبيق السياسات المالية وما فرضته من أعباء إضافية أصبح الكل يتوجس خيفة من إنعكاساتها على الإقتصاد الوطني.

وعلى الرغم من أن الإيداعات في البنوك وصلت ل 24 بليون ريال في نهاية يناير 2021، وزادت ودائع القطاع الخاص بنسبة 10.4% لتصل إلى 16.9 بليون ريال، إضافة لما يمكن تدويره في شرايين الإقتصاد، إلا أن الحكومة مابرحت تزاحم القطاع الخاص من خلال الإقتراض لفائدة سندات التنمية بفوائد تصل ل 5.7% مضمونة المخاطر مقارنة مع إقراض الشركات والمواطنين بنسبة 79%، مع زيادة المخاطر في هذا النوع من القروض.

اليوم البنوك تعمل على مستويات أقل من المخاطر في هذه الأوضاع وبالتالي تحجم عن زيادة القروض أو جدولتها للشركات وتتجه إلى تمويل سندات التنمية ذات العائد المضمون مع بقاء عملياتها المصرفية الفردية على ذات مستوياتها السابقة، مما يسهم في ركود الأعمال بشكل عام.

في المقابل صحيح أن إجمالي الإئتمان الممنوح من القطاع المصرفي بالسلطنة بنهاية يناير 2021 بلغ 26.9 بليون ريال بنسبة زيادة بلغت 3.8% مقارنة مع نفس الفترة من العام الفائت وبلغ الإئتمان الممنوح للقطاع الخاص 23.1 مليار ريال، توزع على العديد من القطاعات الإقتصادية، وشكلت الشركات غير المالية من إجمالي الإئتمان ما نسبته 46.4% يليه قطاع الأفراد أو ما يطلق عليه القروض الشخصية بنسبة 45.3% والشركات المالية بنسبة 4.9% وقطاعات أخرى بنسبة 3.4%، إلا أن كل ذلك لا يعفي القطاع المصرفي من مراجعة أعماله الإئتمانية وإضفاء التسهيلات عليها وبما يسهم في تجاوز الأزمة وتقدير الظروف الراهنة خاصة لعملاءه على مدى ال 50 عاما الماضية، فالإئتمان للشركات غير المالية من إجمالي الإئتمان بلغت نسبتها 32.6%.

فالقطاع المصرفي إذن يشهد تحفظات في التعاملات بخلاف ما نسمعه من إعلانات متتالية لمعالجة الأزمة المالية وإفصاح المركزي عن إلتزاماته بخطط التحفيز الإقتصادي، فالممارسات على أرض الواقع تختلف كليا عن ما يُعلن عنه بشكل فردي، إذ من الصعوبة بمكان متابعة ومراقبة كل جهة على حده، فهذه التحفظات المبالغ فيها من الطبيعي أن تفضي لإعلان الشركات عن إفلاسها في في الفترة القادمة إذا لم تكن هناك معالجة جذرية لكل جهة على حده من جانب لجنة تُشكل في القطاع المصرفي للوقوف على إشكاليات التمويل وتبعاته وتطبيق قرارات التحفيز الإقتصادي، فالقطاع المصرفي يجب أن يكون جزءا من الحل وليس سهما في جعبة المشكلة، ففي حالة خروج الشركات وإفلاسها قد لا يستطيع القطاع إسترجاع أمواله، خلافا لما لو كان جزءا منها ويعمل مع الأطراف الأخرى على قدم وساق لمعالجة الأزمة بشيء من التوازن والحكمة ومعايشة الواقع بكل تداعياته الميدانية.

فالبنوك يتطلب منها كذلك خفض معدلات الفائدة في مثل هذه الأوضاع إلى مستويات تلامس ال 3% مع طلب ضمانات معقولة تسهم في حلحلة الأمور نوعا ما لمعالجة الديون المتعثرة بشكل ممنهج عبر إعادة جدولتها وبفوائد أقل تسهم في دوران رؤوس الأموال في البلاد لضخها من جديد في شرايين الإقتصاد.

فاليوم لن تقوم للإقتصاد قائمة إذا لم يتدخل المركزي بشكل أكبر من خلال بلورة توجهات جديدة تسهم في إنعاش الإقتصاد وإنتشال الشركات من أزمتها المالية من خلال الحزم المالية الهادفة إلى إعادة الأمور إلى طبيعتها.

بالطبع أن ما قدمه المركزي من حزم تحفيزية في الشهر الماضي بمنح فترات سماح تصل إلى عام وحث البنوك على عدم مطالبة المسرحين عن أعمالهم بالإستحقاقات المالية وتأجيل تحصيل أقساط القروض والفوائد والعمل بالإجراءات التيسيرية التي تضمن توفر السيولة والعمل بالحزم التحفيزية ورفع سقف نسب التسليف وتسهيل الإقراض على القطاعات المتأثرة وغيرها من إجراءات، ومع إنها جهد مشكور غير أنها غير واضحة بما فيه الكفاية إزاء معدلات تخفيض الفائدة وتركت الأمور للمصارف لمعالجة الوضع مع عملاءها بدون إطار مالي محدد يوضح التسهيلات بدقة لكي يستوعبها الجميع ويعمدون لتنفيذها بدون زيادة أو نقصان، فترك الأمور بهذا النحو الضبابي يحفز ملكات الإجتهاد لتنبري تفسيرا وتأويلا قد يجنح بعيدا عن مخيلة المركزي وقد تحدث خلافات هناك وهناك مردها تباين الآراء.

نأمل أن تلامس تسهيلات المركزي الواقع الإقتصادي بقدر أكبر مع نسب تخفيض ومدد زمنية أكثر دقة، وليقف الجميع عندها إستيعابا وإلتزاما بخطط التحفيز الإقتصادي.

ولكي يلعب المركزي دوره الرئيسي في إبقاء أقتصادنا الوطني في أعلى مستوياته تحقيقا للأهداف المرجوة رغم غيوم وسحب كورونا الداكنة.