بقلم : علي المطاعني
كانت وستظل العلاقات الأخوية بين السلطنة والمملكة العربية السعودية في أعلى مستوياتها سياسيًا وإقتصاديًا واجتماعيًا وذلك رغم الظروف التي تشهدها المنطقة والصراعات الجيوسياسية والأيدلوجية وما يكتنفها من توترات بين ضفتي الخليج قد تلقي بظلال لها قاتمة على دول المنطقة.
إلا أن رسوخ العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين أعمق من أن تهزها المتغيرات المتلاحقة والتجاذبات والأهواء والأنواء السياسية المتقلبة ، وقد أثبتت السنوات الفائتة والأحداث المتلاحقة التي شهدتها المنطقة مدى صدق ومتانة العلاقات بين البلدين وتأكيد دورهما المحوري في المنطقة عبر حكمة وحنكة التعاطي مع المستجدات لما فيه ترسيخ مبادئ الأمن والسلم الدوليين فضلاً عن ترسيخ أمن المنطقة.
لقد أثبتت الأحداث عمليًا متانة تلك العلاقات من خلال اللقاءات الثنائية والزيارات الأخوية المتبادلة والحوار البناء بين القيادتين وعبر دورهما الفاعل في مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الروابط ، ومن خلال الزيارات المتبادلة والتشاور المستمر بين حكومتي البلدين على أعلى المستويات ، ولعل زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة للسلطنة والمباحثات التي أجراها في كافة مجالات التعاون والتنسيق بين البلدين في القضايا الخليجية والإقليمية والعالمية تعكس منعطفا آخر بالغ الأهمية في هذا الوقت بالذات وفي إطارالإهتمام المشترك بين البلدين آنيا ومستقبليا كل ذلك يجسد الكثير من المصالح والإستثمارات المشتركة وحتمية الإستفادة أكثر من تجارب البلدين وتسخيرها لتأطير تلك المصالح ، وهي بالقطع خطوات تؤكد صحة مسار هذه العلاقات ، والتي يُنظر إليها كمكملة لتطلعات الشعبين ومبددة لأي غموض أو سحابات صيف مرت ثم إنقشعت من سماوات مسقط والرياض في وقت واحد ؟ومما يثلج الصدر حقا أن العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين نمت وتطورت خلال السنوات الخمسين الماضية بدعم من المغفور له بإذن جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه واخوانه ملوك المملكة العربية السعودية ، إذ ينتهج البلدين ذات المسار بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم ، وأخيه الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظهما الله ـ لإدراكهما العميق لماهية ومعنى ومغزى الآفاق المستقبلية لهذه العلاقات المتينة ، وسعيهما الدؤوب لتفعيلها في كافة المسارات التي تربط بين الشعبين الآن أكثر من أي وقت مضى.
وإذ الواقع يؤكد بأن هناك الكثير من الروابط والوشائج وخصوصية الجوار الجغرافي وأبعاد التنسيق الإستراتيجي في قضايا المنطقة كلها عوامل تم تسخيرها ماضيا وحاضرا في معالجة القضايا التي تشغل المنطقة الخليجية والعربية ، ذلك ما أدركته وفعلته حكومتي البلدين في الفترة الأخيرة كما هو واضح للعيان ، وإذ الرياض ومسقط تسعيان بجدية للإنتقال بهذه الخصوصية إلى مرحلة الترابط الإقتصادي المرتكز على المزيد من المشروعات المشتركة والإستثمارات في القطاعات الإنتاجية والخدمية وإستغلال إمكانيات البلدين الرافدة لهذا التعاون المشترك.
لقد أثبتت الأيام أنه وعلى الرغم من تباين المواقف أحيانا في التعاطي السياسي في المنطقة إلا أن العلاقات الرسمية والشعبية ظلت تتسامي وتسمو فوق كل تلك الإختلافات في المواقف التي يسعى البعض إلى لتأجيجها ، أو ما يسمى مجازا الصيد في المياه العكرة ، بيد أن الحقيقة المثلى تؤكد أن قيادة البلدين يعيا تماما مدى وحجم المسؤولية التاريخية الجسيمة الملقاة على عاتقهما لذلك يحرصان على النأي بعيدا بمعية مصالح البلدين عن كل تلك المكائد.. وفي ذات الوقت فهما يقدران عاليا حقيقة أن العالم بأسره ينظر لهذه العلاقات كمرتكزات حيوية في التعاطي مع قضايا المنطقة ولا يمكن إحداث أي تغيرات أو إتخاذ أي توجهات سياسية أو عسكرية مالم يكن للبلدين دور في مايجري عبر تبادل الآراء وإستنباط الحلول ، ولعل ما شهدته المنطقة في العقود الثلاثة الفائتة كان خير دليل على ذلك يوم وقعت واقعة حرب الخليج الأولى والثانية ، حدثان أكدا على الأهمية التي تمثلها السلطنة والسعودية في المنطقة بغض النظر عن ماخلفته تلك الحروب من خسائر فادحة نتيجة للمواقف المتصلبة والتدخلات الخارجية وعدم الجنوح للسلم من بعد تغليب لغة الحوار والعقلانية واجبة الإتباع في هكذا مواقف كارثية..وعلى الجانب الآخر من معادلة الإتزان فإن السلطنة تعي تماما تفهم المملكة العربية السعودية للمواقف الحيادية للسلطنة على عكس ما يشاع خلال العقود الخمسة الماضية إنطلاقا وإتساقا مع قاعدة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر ، وكذلك الحرص على إيجاد نقطة إرتكاز ذات ثقل ووزن تعود إليها كافة الأطراف عندما يشتد أوار الخلاف ووطيس الشقاق ، وقد أفلح هذا التفاهم المشترك عمليا في حلحلة الكثير من الأزمات وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء.
وقد أسهمت مواقف السلطنة على مدى العقود الفائتة في كسب ثقة المملكة بان الخط السياسي المتوازن الذي تنتهجه السلطنة في التعاطي الإقليمي والدولي قد أسهم بالفعل في الوصول لتفاهمات إيجابية في الكثير من النزاعات والخلافات بين الدول ، وقد أسهم ذلك بالفعل في إيجاد توازن دقيق أبعد شبح التوترات وفتح آفاقا أفضل وأرحب في العلاقات الإقليمية والدولية ..كما أن الإنطلاقة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في كافة المجالات والتطورات التنموية الهائلة والإيجابية والتي يقودها الأمير محمد بن سلمان ، تعكس جدية التوجهات الجديدة بالمملكة وقدرتها وفاعليتها في إحدات تغيرات هيكلية واسعة النطاق تخطط لها القيادة السعودية بحزم لا هوادة فيه ، ومتطلعة في ذات الوقت لتحقيق تكامل واسع النطاق بين دول المنطقة وبما يحقق الرفاة لشعوبها.
ولا يتعين علينا أن نغفل هنا حقيقة أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين يمكن وصفها بالجيدة ، فهناك إستثمارات سعودية جادة في مجالات الطاقة الكهربائية إضافة لإستثمارات متنوعة أخرى ، كما أن التبادل التجاري بين البلدين يشهد نموا متزايدا خاصة المواد الغذائية بكافة أنواعها والبتروكيماوية وغيرها.
نأمل حقيقة أن تشهد العلاقات الإستثمارية بين البلدين في السنين القادمة تطورا نوعيا كبيرا كتأكيد ميداني ناطق عن عمق العلاقات الثنائية وبما يعكس تطلعات الشعبين في إيجاد سوق مشترك وضخم يتم عبره تبادل المصالح والمنافع لما فيه خير البلدين والمنطقة بأسرها .