مسقط - الشبيبة
بقلم: على بن راشد المطاعني
الوقت الذي نطالب فيه بالشفافية والمصارحة والمكاشفة بين المسؤولين والمجتمع، وردم الفجوة وتضييق الهوة كأحد متطلباتالنهضة المتجددة التي تشهدها البلاد، إلا أن مستويات الحوار المتدنية وإجتراء الأحاديث مبتورة ومشوهة والتجني على المسؤولين وعائلاتهم والنيل منهم بشكل غير لائق ولا يتناسب مع القيم والأخلاقيات التي تريبنا عليها.
الأمر الذي يتطلب الكثير مما يجب علينا عمله للحد من التجاوزات في هذا الشأن سواء تشريعيا أو تعليما أو تثقيفيا وبما يسهم أو يفضي لإنسياب الحوار بعقلانية ومنطقية تجعلنا نستفيد من الرأي والرأي الآخر الذي يطرح في وسائل التواصل الإجتماعي ويحقق الهدف المنشود منه على كل الأصعدة والمستويات كأحد مرتكزات العمل الوطني في المرحلة القادمة.
ان الحوار لايستقيم بهذا النحو الذي نشهده عند كل تصريح أو عند كل إجابة على سؤال في مؤتمر صحفي أو غيره من المناسبات، وفي هكذا حال فإن العزوف عن التعاطي الإعلامي من جانب شرائح واسعة من المسؤولين سيكون عنوان المرحلة القادمة، والعمل الإعلامي سوف يقتصر على إنسياب المعلومات والبيانات عبر دوائر الإعلام والعلاقات العامة، لتغدو كالشلالات التي تتدفق مياهها في إتجاه واحد وليس من مختلف الإتجاهات كما كان سائدا عبر التفاعل وتبادل الأطروحات والمقترحات وصولا للصيغة التي ترضي الجميع.
ذلك سيفقدنا تذوق رحيق الحوار الهادف مجتمعيا، بعدها سيسود الصمت المطبق وتتراجع مستويات الشفافية والصراحة والوضوح الذي كنا نتطلع إليه بلهفة بإعتباره عنوانا للمرحلة القادمة.
فالإحجام عن الإدلاء بالتصريحات والتفاعل مع وسائل الإعلام المرئية والسمعية سيمسي هو ملاذ المسؤولين وحصنهم الحصين الذي يقيهم شر التجني والتلاسن وهم في غنى عنه أصلا، وبإعتبار أن هذا النهج الجديد والدخيل يتعارض كليا مع إخلاقياتنا وسلوكياتنا التي تربينا عليها بل وورثناها جيلا من بعد جيل.
فهذا التعدي على الشخوص والخوض في الخصوصيات وبعث الأموات وسبر أغوار الحياة الخاصة للآخرين كلها سلوكيات نربأ بها أن تصدر من بعض الكفاءات الإعلامية التي نتوسم فيها الخير ورجاحة العقل والنضج وبإعتبارها مرتكزا للنهوض بالمستويات الفكرية التي تخاطب الناس بالمنطق ولا تدغدغ مشاعر المراهقين بالمزيد من صب الزيت على النار، من أجل تصدر المشهد والتلذذ بمشاهدة الدخان يعلو ويغطي عنان السماء وبإعتبار أن تلك هي ساعة النصر المبين وقد حققوها وبطريقتهم الشيطانية الخاصة.
إن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة في التعاطي مع الحوار في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وإستغلالها بشكل سيء من شأنه أن يحد من مساحة الحرية الإعلامية التي نتطلع كأعلاميين لزيادتها لا لتحجيمها بطبيعة الحال، كما أن المسؤولين سيفقدون الثقة تماما في وسائل الإعلام بكافة أنواعها وبإعتبارها تعج بالتطرف اللغوي وتكتنز بالتنمر ببواعث الشخصي وتفتقر لأبجديات الأدب والتأدب واجب الإتباع كعنوان لنا (كان) وكصفة لنا (كانت).
فأذا كنا نطالب بتدفق البيانات والمعلومات وتفاعل المسؤولين مع الأطروحات وتبادل الآراء لإثراء الساحة الإعلامية بما يسهم في المزيد من الإيضاح والتوضيح وليصب كل هذا الجهد في إطار مصلحة الوطن العليا، فإننا وفي هذه النقطة نكون قد إرتكبنا أثما مبينا في حق الوطن ومواطنيه بإعتبارنا ساهمنا في إستتباب العتمة وإتاحة المجال لسحب الظلام لتغطي فضاءات حياتنا حتى إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها ظلمات بعضها فوق بعض فهل هذا الصورة هي ما يسرنا أن نراها سائدة.
بالطبع ما يحدث ونراه سائدا يعكس صورة لاتسرنا ولا تسعدنا ولا نرغب أن نراها أصلا في مجتمعنا العُماني، على ذلك لانخفي قلقنا من هذا التدني المؤسف في لغة الحوار والذي بات يغرد بعيدا عن قوله تعالي في سورة النحل (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. صدق الله العظيم.
نأمل أن تدرس هذه الظواهر السالبة والوقوف على أسبابها ومسبباتها وقبل أن تستفحل وتغدو عنوانا أصيلا وتلقائيا لتصرفاتنا، وصولا لما كنا عليه من قبل حتى بات العالم كله عندما يذكر العُماني فإنه أول من يبتادر إلى الأذهان بانه مؤدب ولبق وجميل لفظه وبيانه..