مسقط - الشبيبة
بقلم : علي المطاعني
في الوقت الذي يُعوَّل فيه كثيرًا خلال المراحل القادمة على التدريب الفني أو المهني؛ لتزايد الطلب على المهارات في مجالات العمل المختلفة؛ سواء الوظائف أو المهن؛ نصطدم بعدم إيلاء هذا الجانب أهمية كبيرة في إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة؛ من خلال بلورة إنشاء مركزٍ وطني «للتأهيل والتدريب المهني». الأمر الذي يحتاج منّا إلى المزيد من المراجعة والدراسة على ضوء متطلبات المرحلة القادمة، وتوافر الكوادر الوطنيّة التي تحتاج إلى فرص العمل المُعتمِدة على المهارات، ورغبة الشركات في عمالةٍ وطنيّةٍ تتمتع بمهارات تسد حاجة السوق من قوى عاملة في المهن، التي تشكل القاعدة العريضة من فرص العمل المتوفرة وتحتاج إلى من يشغلها. مما يفرض علينا إعادة النظر في هذا المجال الحيوي والمهم؛ من خلال إعادة هيكلته مرة أخرى بإخراج التدريب «المهني» من مظلة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى براحات أوسع يتم فيها تجميع كافة الجهات والبرامج التدريبية في البلاد تحت مظلة مركزٍ وطني يفي بمتطلبات المستقبل لسوق عمل هو أشد حوجة الآن لكوادر وطنية متسلّحة بالمهارات.
فبلاشك أنّ التعليم «المهني» في البلاد رغم أهميته القصوى، إلا أنّه عاش مخاضات متعددة من عدم الاستقرار، فقد تقاذفته عدة جهات وهيئات؛ واحدة تلو الأخرى، بدون أن تموضعه في مكانه الصحيح؛ من خلال إنشاء مركز وطني «للتأهيل والتدريب المهني»؛ يكون قادرا على الإيفاء بالمتطلبات الوطنيّة، ويواكب المستجدات والمتغيّرات في تسارع الطلب على المهارات في العالم. فهذا القطاع حطّ رحاله أخيرًا في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في آخر هيكلة للقطاع الإداري للدولة، إلا أنّ الحقيقة تقول إنّ إدارة التدريب المهني في البلاد ليس من صميم أدوار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار؛ وذلك لاعتبارات عدة أبرزها أنّ الوزارة مُشرفة على التعليم العالي الجهة التي يُعوّل عليها للارتقاء به والبحث العلمي والابتكار، وهي مهام ومسؤوليات جسام بالطبع .
وليس لها علاقة مع القطاع الخاص الذي ننتظر منه استيعاب أكبر عدد ممكن من الكوادر الوطنية في الفترة المقبلة؛ بل إنّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ليس لديها الدراية الكافية بسوق العمل ومتطلباته في مجالات التدريب وغير ذلك.
أمّا التدريب في القطاعين العام والخاص فيجب أن يتحرر من القيود الإدارية من خلال مركز متطوّر نمنحه الصلاحيات الواسعة والتمويل اللازم والمرونة الكافية في إدارة التدريب على اختلافه؛ سواء كان ممولا من الحكومة أو من الشركات أو البرامج الدولية وغيرها. على أن يُشكل لهذا المركز الوطني مجلس إدارة من القطاع العام بشقيه المدني والعسكري، والقطاع الخاص؛ وتكون مهمته رسم السياسات وآليات العمل؛ وأن يواكب المتغيّرات في المهارات، وتكون له ارتباطات بوزارة العمل والهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة «ريادة» وأجهزة التدريب في الأجهزة العسكرية والشركات أكثر؛ باعتبار أنّها على علاقة وثيقة بالتوظيف وفرص العمل في القطاعين العام والخاص، والتشغيل الذاتي، وريادة الأعمال وخلافه، وتعرف احتياجات التأهيل بحكم علاقتها بمجالات العمل في البلاد.
فهذه المساحة التي يحتاجها التدريب تفرضها التطورات والمتغيرات الدولية في إدارة المهارات التي تشهد تطورا متسارعا في العالم يحتم علينا مواكبتها بمركز ديناميكي أكثر مرونة واستشرافا للمستقبل.
إنّ إنشاء مركز وطني «للتأهيل والتدريب المهني» يمكن أن يضم كل «الكليّات المهنية والكلية المهنية للعلوم البحرية» ومعاهد التدريب في الحكومة كمعهد الإدارة العامة، والبرامج مثل الصندوق الوطني للتدريب، وكل البرامج التدريبية الداخلية والخارجية؛ ويديرها بالإنابة عن الحكومة، ويضع برامج تدريب سريعة يحتاج لها سوق العمل أو تأهيل الكوادر الوطنية أو تعمين مهنة وغيرها من المتطلبات وفق الاحتياجات.
بالطبع مثل هذه الأفكار تحتاج إلى ترجمة سريعة لدواعٍ كثيرة؛ فالظروف الراهنة تفرض علينا ضرورة تأهيل الشباب العماني وتدريبهم على المهن والمهارات التي يتطلبها سوق العمل، وأن تكون كل برامج المركز منسجمة مع خطط الدولة لتوفير فرص عمل في القطاعين العام والخاص وريادة الأعمال والتشغيل الذاتي.
نأمل أن يُعاد النظر في إنشاء مركز وطني «للتأهيل والتدريب المهني» أيًّا كانت المُسميّات؛ يلملم تحت مظلته كل أجهزة التدريب والكليّات والبرامج، ويعمل بديناميكة وشراكات مع كل الأطراف ذات العلاقة، على أن تتوافر له الإمكانيات، باعتبار أنّ التأهيل هو بوابة التشغيل التي تؤرق مجتمعنا، ولا يمكن أن نلج إليها إلا من خلال المهارات العالية والتأهيل المستمر.