محمد محمود عثمان يكتب: أكتوبر 73 .. بين الانتصارات وتخطي الإحباطات

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/أكتوبر/٢٠٢٥ ١٢:٥٠ م
محمد محمود عثمان يكتب: أكتوبر 73 .. بين الانتصارات وتخطي الإحباطات

يأتي الاحتفال بانتصارات حرب أكتوبر 1973 والعالم العربي يعيش حالة من الإحباطات منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ، حيث جاء اختيار التاريخ ليس عفويا وأكاد أجزم بأن ذلك مقصود لطمس هذه الذكرى و للتغطية على زخم يوم السادس من أكتوبر الذي سُجل في ذاكرة الإسرائيليين كوصمة عار في جبين اليهود في حاضرهم ومستقبلهم 

وبهذه المناسبة أفخر شخصيا بأن أكون أحد المشاركين في هذا النصر العظيم كأحد الجنود من أول دفعة من المؤهلات العليا الذين تم تجنيدهم للخدمة العسكرية في القوات المسلحة المصرية في أعقاب هزيمة 1967 في إطار التخطيط لبناء القوات المسلحة من جديد وإعدادها للحرب القادمة على أسس فنية ونفسية وعسكرية متقدمة للتدريب على المعدات والأسلحة الجديدة و استيعابها واستخدامها وفق المعدلات الدولية والتي كانت سببا في عبور الساتر الترابي الأقوى في العالم و خط بارليف المؤجج بالنابالم ، وتخطي أكبر مانع مائي في التاريخ العسكري وهو قناة السويس ، بعد أن حطمت قوات المدفعية والمقاتلات الجوية المصرية تحصينات خط بارليف القوية، التي كونت سلسلة من النقاط الحصينة والطرق والمنشآت الخلفية، التي صنعت الخط الدفاعي الأصعب في تاريخ الحروب، الذي أنفقت عليه إسرائيل أكثر من 300 مليون دولار ، والذي امتدت دفاعاته أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي لقناة السويس، مزودا بخط أنابيب النابالم الحارق وسريع الاشتعال

لتكون حرب السادس من أكتوبر – العاشر من رمضان التي مضي عليها 52 عاما أول معركة حربية عربية تنتصر فيها الجيوش العربية - منذ هزيمة 1948، على إسرائيل المدعومة غربيا وأمريكيا بلا حدود ، ولازالت تكتيكات هذه الحرب تُدرس في المعاهد والأكاديميات العسكرية العالمية للآن ، وخاصة نجاح خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذها الرئيس السادات بنجاح وخدع بها أكبر أجهزة المخابرات العالمية 

وليس من المبالغة إذا قولت إنه أيضا أول انتصار اقتصادي أيضا للأمة العربية ،تجلت فيها الأخوة بكل معانيها ، التي نفتقدها في مواقف كثيرة متعلقة بحاضر ومستقبل الأمة العربية والقضية الفلسطينية الآن ، بعد أن شارك العرب والدول النفطية إيجابيا في المعركة والاستعداد لها واستخدام سلاح النفط ، وكان نجاح العرب في التخطيط الاقتصادي ممتدا إلى المجتمع المصري بكل فئاته حيث الشعار الذي عانى منه المصريون اقتصاديا وهو " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة "الذي توقفت على أثره كل الإصلاحات والبنى التحية والمشروعات الاستثمارية والصناعية والصحية والتعليمية ، بعد تحويل كل الدخل القومي المصري للمجهود الحربي لشراء السلاح وتجهيز القوات المسلحة وتدريبها ، وتوفير الإمدادات من المؤن والذخيرة والمعدات وقطع الغيار، ألأمر الذي أدى إلى تطبيق خطة ترشيد اقتصادية في الإنفاق الحكومي، لتدبير الأموال اللازمة لصالح القوات المسلحة، ،وتوفر التمويل للحرب ،مع عدم إغفال تمويل الاحتياجات الأساسية للشعب المصري، في ظل الضعف الشديد في الإمكانيات الاقتصادية ونقص الموارد وإغلاق قناة السويس وعجز الموازنة العامة ، التي تعاني في ذات الوقت من نقص الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية ،التي لا تغطي اعتمادات الاستيراد للسلع الغذائية الأساسية ، الذي صاحبه العديد من المظاهرات والاحتجاجات على زيادة أسعار الطاقة و المواد الغذائية 

بعد أن تأثر اقتصاد مصر بشكل مباشر وغير مباشر، من حرب أكتوبر لأن التأثيرات تعدت وقت المعركة إلى بعد انتهاء الحرب وصولاً إلى تكلفة إعادة الإعمار ، حيث تحمل الاقتصاد المصري العبء الأكبر في تكاليف انتصار أكتوبر من جميع النواحي البشرية والمادية ، وانعكس ذلك على مستوى دخل الفرد ورفاهيته لعدة سنوات امتدت آثارها إلى الآن

في الوقت الذي نجح فيه العرب بدرجة كبيرة في الاستفادة القصوى من استخدام سلاح النفط في المعركة ، والذي كان له الأثر الكبير في تغيير موازين القوى في ذلك الوقت ، وأدي إلى الطفرة الكبيرة في أسعار النفط عالميا واستفادة الدول العربية من العائدات النفطية التي تسببت في نقلة نوعية اقتصادية غير مسبوقة غيرت وجه الحياة في هذه المجتمعات ،ولذلك فهذا النصر الاقتصادي هو الأول في العصر الحديث الذي صنع النصر العسكري للعرب وللمسلمين وحري بالدول العربية النفطية أن تحتفل سنويا مع مصر بهذا الانتصار العسكري والاقتصادي العربي 

ولكن من المؤلم أن تأني هذه الذكرى المجيدة في الوقت الذي تعيش فيه الأمتين العربية والإسلامية تحت وطأة أفظع وأقصى درجات الإحباط ، ربما في تاريخها مع انتهاك إسرائيل لكل القوانين والمواثيق الدولية وتدمير البشر والحجر والبنية التحتية والمرافق الخدمية في قطاع غزة والتخطيط لالتهام الضفة الغربية وعدم السماح بقيام الدولة الفلسطينية برغم زيادة الاعترافات الدولية بها ، إلى جانب عمليات التهجير القسري واستخدام سلاح الجوع كأداة في حرب مُمنهجة مُنتهكة بذلك كل القوانين والمواثيق والعهود الدولية والإنسانية ، أمام بصر المنظمات الحقوقية والأممية ودول العالم المتقدم والمجتمع الدولي الذي يقف عاجزا أو متفرجا على مأساة القرن والمجاعة المفروضة على قطاع غزة

في الوقت الذي حصد أو حصل أو نهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الخليجية الأخيرة أكثر من 4 تريليون دولار، إلى جانب اتفاقيات استثمارية مع السعودية وقطر والإمارات في مجالات الدفاع والطيران والذكاء الاصطناعي وغيرها، 

ولعل أسوأ الإحباطات العربية هو مغازلة ترامب لجائرة نوبل للسلام ومتاجرته بالقضية الفلسطينية وفرضه وقف إطلاق النار على إسرائيل ،حتى يضمن الإفراج عن الرهائن لدي حماس وسحب ورقتها التفاوضية بدون مقابل أو تنازلات إسرائيلية وبعدها لكل حادث حديث - في إطار توزيع الأدوار - - في إطار توزيع الأدوار - ليكون رجل السلام بغض النظر عن التفاصيل والألغام التي تُحيط بخطته ، التي تفرض الوصاية أو الحماية على قطاع غزة برئاسته لمجلس أو لجنة للسلام لإدارة قطاع غزة بمشاركة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ، وفرضه على الجميع خطته الهلامية - المشتركة مع نتنياهو - للسلام في غزة ، حيث يرشحه نتنياهو للجائزة ، مع أن خطة السلام المطروحة لم ولن يلتزم بها نتنياهو ويُمكنه التملص منها بسهولة ،لأنه لم يلتزم بالخطة إلا بعد تحقيق احتلال غزة كاملة ،وإهدائها لترامب لإقامة ريفيرا الشرق ، على الرغم من بمباركتها من بعض الدول العربية والإسلامية واستبعاد رؤية أصحاب الأرض والسلطة الفلسطينية والمعنيين بالقضية ،حتى أن موافقة حماس بالخطة تأخرت وجاءت بعد خراب مالطة أقصد عزة 

 الأمر الذي يثير العديد من الشكوك حول مخاطر ذلك في المستقبل القريب على أمن وسلامة واستقرار وبقاء دول المنطقة ، في ظل التوجهات نحو الشرق الأوسط الجديد وإسرائيل الكبرى وربما تحويل غزة إلى قاعدة عسكرية أو مركزا للأسطول الأمريكي في البحر المتوسط ليمتلك السيطرة والسيادة العسكرية في المنطقة ، ومن هنا علينا أن نعي هذه المخاطر حتى نواجه التحديات ونتخطى كل الإحباطات بروح و فكر وعقل انتصارات أكتوبر1973 والعاشر من رمضان . .