
يشكل الاستثمار الاجتماعي في شركة تنمية نفط عُمان مرتكزًا أساسيًا في فلسفتها التنموية، حيث تسهم من خلاله في تعزيز منظومة العمل الاجتماعي في مختلف المجالات التعليمية والصحية والاجتماعية والبيئية، وهو التزام يعكس حرصها على دعم جهود الدولة في هذه المجالات الحيوية، وتعزيز دور الجهات الحكومية المختصة في أداء مهامها التنموية، وبما يضمن مدّ الخدمات الأساسية للمواطن العُماني أين كان وأين وجد، وتحقيق مبدأ التنمية الشاملة بعدالة واتزان.
ولعل تمويل مركز مسقط للتعافي"، في ولاية العامرات بمحافظة مسقط لمعالجة مدمني المخدرات والمؤثرات العقلية، أحد المشاريع البارزة التي أسهمت الشركة في تمويله بلغت 2.5 مليون ريال عُماني، لتوفير بيئة علاجية متكاملة تساعد على التشافي والاندماج المجتمعي، وتقدّم خدمات تأهيل نفسي وسلوكي واجتماعي في آنٍ واحد. وهو ما يبعث على الفخر والارتياح لهذه المساهمة الجليلة، وفي ذات الوقت نثمن عاليا الدور المؤسسي الذي تضطلع به الشركة، ليس من باب سخاء التبرع فحسب، بل من منطلق الاستثمار العميق في الإنسان باعتباره أغلى رأسمال على الإطلاق كما نعلم.
عكس حفل افتتاح المركز مشهد عميق الدلالات تتجدد فيه معنى إرساء قواعد التنمية في معناها الأصدق والأعمق، وتُعاد فيه صياغة الأدوار المجتمعية لمؤسسات القطاع الخاص، وعبر كل ذلك تواصل شركة تنمية نفط عُمان (PDO) ترسيخ حضورها كأحد أكبر المستثمرين في الإنسان، في صحته وتعليمه وتعافيه وتعبيد الطريق أمامه ليختار ما يراه مناسبا من أزاهير الحياة . والشواهد على ذلك كثيرة، سوانح تمتد من الشمال إلى الجنوب، ومن الساحل إلى الجبل، لتضع بصمة لا تُمحى من ذاكرة المستفيدين، ومن بين ثنايا هذه الجهود الخيرة، يسطع مشروع مركز التعافي لعلاج وتأهيل الإدمان بولاية العامرات، والذي تم افتتاحه رسميًا، ليكون شاهدًا جديدًا على أن التنمية الإجتماعية تبدأ من حيث يجب أن تبدأ… من الإنسان وإلى الإنسان.
هذه المبادرة ليست منفصلة عن سياق رؤية تنموية شاملة وطويلة الأمد، بل هي تعبير صادق عن فلسفة اختارتها الشركة عنوانًا لمسارها في دروب الخير والفلاح: هو الربح المجتمعي طويل الأمد عالي الفاعلية بالغ الأثر وشديد الخطر إيجابا، ربح لا يُقاس بالأرقام، بل يُقاس بعدد من انتشلوا حياتهم ومستقبلهم بعد أن غاصت بعيدا خسفا تحت وطأة حمم بركان الإدمان، وفي هذا المركز عثروا على فرصة نادرة تمكنهم من العودة إلى الحياة ولذواتهم ولأسرهم التي أفتقدتهم طويلا وإلى مجتمعهم الذي مابرح في حاجة لسواعدهم الفتية ليسهموا في مسيرة نهضة عُمان المتجددة، هذا المشروع النبيل رأى النور بعد تمويل بلغت تكلفته 3 ملايين ريال عُماني كتجسيد فعلي لهذا التوجه الإنساني رفيع المستوى، الذي يضع الإنسان في صدارة الأولويات ، وهذا مكانه الفعلي بطبيعة الحال.
المركز تبلغ سعته 130 سريرًا، ويوفّر بيئة علاجية آمنة وشاملة ومثالية، تضم برامج علاج نفسي وسلوكي، وتأهيل اجتماعي، ودعم أسري ومجتمعي، إنه يمثل نقلة نوعية في منظومة الرعاية النفسية والاجتماعية في السلطنة، ويُعد امتدادًا لمسار تأهيلي يؤسس لحلول متقدمة في مواجهة واحدة من أعقد القضايا الصحية والمجتمعية، كما يعالج فجوة قائمة في منظومة علاج الإدمان، من حيث القدرة الإستيعابية، ومستوى التخصص، والتوزيع الجغرافي.
وما يُميز هذا المشروع كذلك، أنه يُجسد نموذجًا متقدمًا وناجحًا من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يضمن استدامة الأثر وفعالية الأداء. ففي الوقت الذي يصعب فيه على الدولة وحدها تلبية كل الاحتياجات المتزايدة، ويستحيل على السوق أن يتحرك بمعزل عن مسؤوليته الاجتماعية الموجهة صوب الإنسان تحديدا، هنا تظهر أهمية هذا التكامل، الذي يعكس فهماً عميقًا للأدوار التكاملية والتبادلية في منظومة التنمية الشاملة.
إن ما تقوم به الشركة في هذا السياق هو استثمار اجتماعي حقيقي، له آثاره المباشرة وغير المباشرة، فكل مريض يُشفى، وكل حياة تُستعاد، تعني كلفة أقل على المنظومة الصحية، وأمنًا اجتماعيًا أكبر، واستقرارًا أسريًا أعمق، والأهم من ذلك، أن هذا الاستثمار يُعيد رسم العلاقة بين الشركة والمجتمع بكل وضوح، لا بوصفهما طرفين منفصلين، بل كطرفين في معادلة واحدة: الربح المبارك مقابل الرفاه والحياة.
وعندما نقول إن شركة تنمية نفط عُمان تسير عبورا من الطاقة إلى الإنسان، فإننا لا نردد شعارًا جافا مفرغا من معانية ودلالاته، بل نرصد واقعًا ناطقا نجد ونشاهد ترجمته في مشاريع تعليمية، وصحية، وتأهيلية، تُسهم في بناء إنسان قادر ، منتج ، سليم البدن والفكر، طلق اللسان، جميل المحيا، هذه هي المعادلة التي يجب أن تسود في زمن التحول الوطني: والقائلة إن الاستثمار في البشر يجب أن يمضي موازيًا للاستثمار في الحجر، وأن تكون الأرباح ناصعة البياض مقياسها الأثر، لا الأرقام في معناها الجاف.
ومع افتتاح مركز العامرات، تكون شركة تنمية نفط عُمان قد وضعت لبنة إضافية في صرح التنمية الاجتماعية الشاملة، وأكدت من جديد على أن قيمة الشركات لا تُقاس بما تضخه من براميل الزيت، بل بما تُقدّمه من رحيق شهد الإنسانية، إنه مشروع يتجاوز الجدران والمباني الحجرية والتقنيات، ليكتنز الفارق في حياة العشرات، بل المئات من البشر، ويمنح الأمل أخضرا ويانعا ومزهرا لمن ظن أن لا أمل، بل موت واندثار.
نأمل أن يكون هذا المركز نقطة تحوّل حقيقية في مسار العلاج والتأهيل في السلطنة، وأن يتحوّل إلى نموذج يُحتذى به لا استثناء يُحتفل به ثم يُنسى، فحين يتحول النفط إلى دواء، والطاقة إلى فرصة، والثروة إلى شفاء، والشفاء إلى سواعد وعمل وإنتاج ، ثم إلى سعادة، عندها نعلم يقينًا أننا أمام شركة اختارت أن تستثمر حيث يكون الأثر أعمق، وحيث تكون الجدوى إنسانية وميممة شطر الإنسان الذي كرمه الله عز وجل عندما خلقه في أحسن تقويم.