علي المطاعني يكتب: سلطنة عُمان.. صوت الحكمة الذي لا يغيب في زمن الصراعات !.

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/يونيو/٢٠٢٥ ١٥:٢٢ م
علي المطاعني يكتب: سلطنة عُمان.. صوت الحكمة الذي لا يغيب في زمن الصراعات !.
علي بن راشد المطاعني
في وقت تتسارع فيه وتيرة الأحداث في المنطقة وبنحو مخيف كما نرى ونسمع، وتتصاعد المواجهات الدامية بين إيران وإسرائيل إلى مستويات خطيرة، تظل سلطنة عُمان محافظة على دورها الأصيل كجسر للحوار ومرفأ للتهدئة، حيث تستمر في جهودها النبيلة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم بأسره، فلا يجب أن ننظر إلى ما حدث ويحدث بمثابة ضربة موجعة لجهود الوساطة التي تبذلها سلطنة عُمان بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وأن ما جرى كان مخططا مسبقا مع بدء استمرار المحادثات، وأن هناك ما يشبه الخدعة في هذا الجانب.
في الواقع إن سلطنة عمان لم تكن في يوم من الأيام محايدة بالمعنى البارد للكلمة، بل كانت دائمًا حاضرة بمواقفها المتزنة، ومبادئها الثابتة المعروفة بها، وبإيمانها العميق بأن الكلمة قد تسبق الرصاصة، وأن السلام لا يُنتزع من الأطراف المتصارعة إلا بصبرٍ ونَفَسٍ طويلين، ويمكن أن يتحقق بمرور الوقت وبالقناعات من كافة الأطراف ولعل الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي قي عام 2015 خير دليل على هذا النهج الحكيم وعبر الصبر لسنوات طويلة على تباين المواقف والتجاذبات بين الطرفين والجولات المتعددة التي أوجدت القناعات بينهما بأهمية الاتفاق النووي الذي فأجا العالم آنذاك، وغيرها من المواقف التي أثبتت صوت الحكمة والعقل في التعاطي مع الأحداث الدولية.
وفي الوقت الذي كان من المقرر أن تنعقد جولة جديدة من المحادثات النووية في مسقط اليوم الأحد تصاعدت الأحداث بشكل مؤسف عبر ضربة عدوانية عسكرية مفاجئة من إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية، وفي هكذا حدث فمن الطبيعي أن تتأجل المحادثات أو تتوقف إلى أن يتم التقاط الأنفاس وتعود الأمور إلى طبيعتها، فالكر والفر موجود في الحروب والصراعات منذ الأزل.
إذن يمكننا القول إن الوساطة ليست موقفًا عابرًا ... بل فلسفة عُمانية أصيلة تسهم في رأب الصدع الذي يحدث لإيمانها بأن الصراعات لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية وأن بعض الصراعات وما ينتج عنها قد تسهم في إيجاد قناعات لدى الأطراف بأن الطرق التي سُلكت لم تأت بنتيجة تشفي الغليل، بل أسهمت في توسيع الفجوة وضاعفت الخسائر في الأنفس والممتلكات في المنطقة والعالم.
قد يسأل البعض ماذا تجني سلطنة عُمان من هذه المحادثات بين أطراف متصارعة في السر والعلن؟ نقول للجميع إن سلطنة عُمان لا ترغب في الحصول على أجر إزاء ادوراها ومواقفها أيا كانت التضحيات التي تقدمها طوال السنوات الماضية، بل على العكس فإن هذه الجهود أضرت بها من البعض الذين لم يستطيعوا استيعاب الأغوار العميقة لهذه الجهود، إلى أن تبلورت لديهم قناعات مع مرور الأيام بالحكمة بعيدة المنال التي تحرك الجهود العُمانية، وأن ما تقوم به عُمان هو في الواقع مستمد من نخاع عظام فلسفتها في السياسة الخارجية وستظل هكذا دوما وأبدا انطلاقا من دورها التاريخي والحضاري في العالم والتي أثبتت التجارب صحة مواقفها منذ السبعينيات من القرن الماضي.
فالصوت العُماني الذي يقوده حكماء الدبلوماسية في البلاد، لا يستند إلى المصالح الضيقة، بل إلى إرث من التوازن والعقلانية والمصداقية، وقد برهنت التجارب والمواقف أن سلطنة عُمان قادرة على فتح القنوات حين تُغلق وتُسد وعلى بناء الثقة حين تُفقد. وهو ما يجب أن نعيه ويكون حاضرا في تقييم المواقف، فالصراعات والحروب لن تأتي بمكاسب للدول والشعوب والتي ستدرك يوما هذه الحقيقة طال الزمن أم قصر .
كما أن استمرار سلطنة عُمان في الوساطة رغم الصعوبات البادية للعيان يعكس التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا فريدًا ، ويمنحها مكانة تنال عبرها احترام العالم، ويجعل منها صمّام أمان في لحظات تتقاطع فيها المصالح بالدخان وبالنيران، وهي ذاتها التي نشاهدها بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهو واقع يترك الأشواك والمتاريس في طريق أي محادثات قريبة، غير أن الجهود ستبقى فاعلة ولعلها تسهم في خفض التوتر على الأقل في المرحلة الحالية وعدم توسيع نطاق الصراع أكثر مما هو عليه الآن .
ومع ذلك يجب أن نعلم جميعا بأن الحروب لا تُسقط المبادئ… بل تُمتحن بها، وأن هذه المبادئ ستبقى مضيئة كاليراعة في وسط الظلام الدامس الذي يسود النفق، وقد يرى البعض أن التصعيد العسكري يعني فشل الوساطة، لكنّ الحقيقة المثلى تقول إن الوساطة لا تُقاس بنتائج فورية تحققها، بل باستمرارية الجهود رغم العوائق، والقدرة على إبقاء باب الحوار مفتوحًا وسط القصف، وهو بحد ذاته إنجاز دبلوماسي نادر وفريد .
سلطنة عُمان لم تختَر هذا الدور طلبًا لتصفيق الآخرين أو لتنال مكافآت على أدوارها في القضايا الإقليمية والدولية، وتوسطها في حل الخلافات بين الدول فعلى الرغم من كل التحديات، فإن المحادثات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية تبقى فرصة حقيقية، ليس فقط لإعادة النظر في الملف النووي الإيراني، بل لإثبات أن العقل ما زال حاضرًا في زمن النزاعات، وأنه عندما يجلس الفرقاء على طاولة الحوار بوساطة عُمانية، ففي هذه النقطة مربط الفرس الذي أسهم في أن يجلس الخصوم وجها لوجه لحلحلة الأمور وتهدئة الأوضاع.
فالعالم اليوم بحاجة إلى صوت مثل صوت سلطنة عُمان، لا ينحاز بل يجمع، لا يرفع السلاح، بل يرفع راية لين الكلام ... وإذا كانت الحروب تملأ السماء بالدخان والعثار والغبار ، فإن صوت الوسيط العُماني يبقى هو الضوء الوحيد في هذا النفق الطويل حالك الظلمة، فلا ينبغي أن نسبق الأحداث في مطلق الأحوال.
نأمل ألا نقلل من الأدوار التي تبذلها سلطنة عُمان في حلحلة القضايا الإقليمية والدولية وإيجاد الأرضية الصلبة التي تسهم في حل الخلافات وتوقيع الاتفاقيات التي من شأنها أن تحد من النزاعات الثنائية بين الدول وتحقق الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة وفي العالم أجمع.