علي المطاعني يكتب: هيئةُ الطّيران المدني .. تعزيز الاقتصاد وسلامة الأجواء.. واستباق المخاطر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/يونيو/٢٠٢٥ ١٦:١٤ م
علي المطاعني يكتب: هيئةُ الطّيران المدني .. تعزيز الاقتصاد وسلامة الأجواء.. واستباق المخاطر

 يمثل قطاع الطيران المدني إحدى أهم الركائز الأساسية لتعزيز نمو الاقتصاد الوطني في سلطنة عُمان، حيث تتعاظم أهميته في ظل الجهود المبذولة لتحقيق الريادة في القطاع اللوجستي، ويُعد الطيران المدني والنقل الجوي من الدعائم الرئيسة التي يرتكز عليها هذا القطاع، مما يعكس دوره الحيوي في تعزيز التنوع الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام.

هذا ما كشفه لقاءٌ إعلاميٌّ لهيئة الطيران المدني أميط فيه اللثام عن مسيرة حافلة بالمنجزات التي تعكس التحول المؤسسي العميق الذي تعيشه سلطنة عُمان في قطاعات حيوية مثل سلامة الطيران المدني، وتنظيم الحركة الجوية، والأرصاد، والإنذار المبكر، وغيرها من المجالات التي ترتبط بأمن الإنسان والمكان، وتجسيد وبلورة رؤية الهيئة في الانفتاح على المجتمع والإعلام، وعكس التقدم في إدارة هذا القطاع الحيوي الذي يربط البلاد بالعالم ويعزز قدرتها على التعامل مع التغيرات المناخية والظواهر الجوية.

فما عرضته الهيئة من بيانات ومؤشرات، يدعونا إلى قراءة أكثر عمقًا وتأملًا لدورها المتنامي، ليس فقط باعتبارها مؤسسة تنظيمية، بل باعتبارها محورًا للأمن الوطني البيئي والمناخي، وذراعًا فنية طولى وفاعلة للدولة في تعزيز الجاهزية، ودعم أهداف التنمية المستدامة. ولعل تحقيق نسبة امتثال بلغت 95.95% في مجال السلامة جعل سلطنة عُمان تحصل بموجبه على المركز الخامس عالميًّا في مؤشر الامتثال للتنفيذ الفعّال لرقابة السلامة الجوية، وتحقّق نسبة 100% في مؤشر الامتثال لمتطلبات التسهيلات المرتبط بتطبيق معايير التسهيلات الواردة بالملحق التاسع لاتفاقية شيكاغو، فضلا عن تحقيقها نتائج متقدمة في مؤشرات الامتثال المرتبطة بالبرنامج العالمي للتدقيق على أمن الطيران من خلال منهج الرصد المستمر الذي نفذته منظمة الطيران المدني الدولي في مؤشر الاستدامة لمتطلبات أمن الطيران المدني الواردة في الملحق الـ 17 لاتفاقية شيكاغو الخاص بمستوى التنفيذ الفعال للعناصر الحاسمة الثمانية اللازمة لنظام الرقابة الحكومية على أمن الطيران، وتمثل هذه الإنجازات النوعية تطورًا يعكس مدى الاهتمام الذي توليه الهيئة لهذه الجوانب المهمة في قطاع الطيران والسلامة الملاحية.

ولعل ما يعزز من مكانة سلطنة عُمان في هذا السياق هو ما حققته من نتائج متقدمة على المستوى الدولي في مجال أمن الطيران، إذ سجّلت السلطنة أداءً متميزًا في البرنامج العالمي للتدقيق على أمن الطيران USAP-CMA التابع لمنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، حيث بلغت نسبة الامتثال للعناصر الحاسمة 94.4%، في حين حققت نسبة 100% امتثالًا لمتطلبات التسهيلات، لتتبوأ بذلك المركز الرابع بين دول مجموعة العشرين، والمركز الثالث بين دول الشرق الأوسط في مجال أمن وتسهيلات الطيران المدني. وهي مؤشرات لا تعكس فقط الجهود الأمنية والتقنية المبذولة في هذا القطاع، بل تترجم كفاءة البنية المؤسسية وتكاملها، ووعي الجهات الوطنية المعنية بأهمية أن تكون عُمان حاضرة في المؤشرات الدولية، بأرقام تؤكد جديتها وقدرتها على المضي قدمًا في كل ما يعزز مكانتها على خارطة الطيران المدني العالمي.

وقد شكّل اللقاء مناسبة وطنية مميزة حيث تم تدشين طابع بريدي تذكاري احتفاءً بمرور 50 عامًا على انضمام سلطنة عُمان إلى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، في تأكيد رمزي وعملي على التزام سلطنة عُمان بالتعاون الدولي، واستذكارًا لنصف قرن من الجهود في تطوير منظومة الأرصاد الجوية.

ويتضح مما تقدم أن دور الطيران المدني في سلطنة عُمان يتجاوز كونه وسيلة للنقل التقليدي، ليصبح ركيزة اقتصادية حيوية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنمو المنشود في العديد من القطاعات المعول عليها لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040"، حيث يسهم القطاع في توفير فرص عمل جديدة ويعزز الاستدامة التنموية من خلال تحقيق هيئة الطيران المدني إيرادات بلغت 105 ملايين ريال عُماني خلال عام 2024 ، وزيادة أعداد المسافرين بنسبة 2% مقارنة بعام 2023، وتسجيل أكثر من 120 ألف رحلة جوية، في حين تجاوزت حركة الشحن الجوي 150 ألف طن، وعبرت أجواء سلطنة عُمان أكثر من 540 ألفًا و300 طائرة، فكل هذه الأرقام تعكس كفاءتها التشغيلية واستدامة مواردها المالية، ودورها في تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي، الأمر الذي يبعث على الارتياح للنتائج الإيجابية التي حققتها الهيئة في مسارات عملها المختلفة بين تعزيز سياسات التنويع الاقتصادي وتنظيم حركة الطيران والحفاظ على السلامة الجوية وإدارة الشؤون المناخية وما يمثله من أهمية في عالم اليوم وبما يعكس الدور الذي تضطلع به الهيئة على كل المستويات.

ومع سعي سلطنة عُمان إلى أن تغدو مركزًا إقليميًّا وعالميًّا للخدمات اللوجستية، يبرز دور الطيران المدني المحوري في ربط سلطنة عُمان بالأسواق العالمية، استنادا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي عند نقطة تقاطع بين قارتي آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، مما يجعلها نقطة توقف مثالية للرحلات الجوية بين الشرق والغرب. هذه الميزة الفريدة تتيح لشركات الطيران التوسع في أسواق آسيا وأفريقيا، وتعزّز جاذبية سلطنة عُمان باعتبارها مركزًا للنقل الجوي، خاصة مع قرب المطارات العُمانية من ممرات جوية مزدحمة تشمل خطوط الهند وأوروبا ودول الخليج وشرق أفريقيا.

علاوة على ذلك، يمثل الطيران المدني عنصرًا رئيسًا في تعزيز التكامل اللوجستي بين الموانئ والمطارات، فموقع سلطنة عُمان المطل على بحر العرب وخارج مضيق هرمز يمنحه ميزة تنافسية واضحة في الوصول المفتوح إلى المحيط الهندي، كما أن التكامل بين المطارات الدولية مثل مطاري مسقط الدولي وصلالة والموانئ الكبرى مثل الدقم يُعزز سلاسل الإمداد، فكل ذلك يسهم في جعل عُمان مركزًا إقليميًّا للتجارة والشحن الجوي.

ويفتح قطاع الطيران المدني آفاقًا واسعة للفرص الاستثمارية مثل تشغيل رحلات قصيرة المدى لتعزيز ربحية شركات الطيران، كما تُسهم رحلات التوقف في تعزيز الحركة التجارية في الأسواق الحرة ودعم المشروعات الخدمية في المطارات العُمانية.

ويُعزز القطاع المقومات السياحية والاستثمارية لسلطنة عُمان من خلال استقطاب الزوار وجذب الاستثمارات، ويُحفز قطاع الطيران وحركة البضائع والمسافرين ويدعم المناطق الحرة عبر تكامل الخدمات الجوية والبحرية والبرية، حيث تسهم بيئة الطيران الحديثة والمطارات الدولية المتطورة في جذب الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن فتح الفرص الاستثمارية في الأنشطة المرتبطة بالطيران، مثل النقل الجوي، والصيانة، والخدمات اللوجستية.

ويؤدي قطاع الطيران المدني دورًا مهمًّا في توظيف الكوادر الوطنية، حيث يوظف المواطنين العُمانيين في مجالات متعددة تشمل الطيران، والصيانة، والأمن، والخدمات الأرضية، كما يدعم قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المرتبطة بخدمات الطيران والمطارات، ويسهم في نقل التكنولوجيا وتطوير الكفاءات الوطنية. وتُعد مؤسسات التدريب والتأهيل في مجال الطيران المدني مثل أكاديميات الطيران ومراكز التدريب، جزءًا أساسيًّا من هذا الجهد، مما يُعزز مستوى الكفاءة والاحترافية في هذا القطاع الحيوي.

وبهذا النحو، يتجلى دور قطاع الطيران المدني باعتباره عاملًا حيويًّا يُعزز الاقتصاد الوطني، ويُسهم أيضا في تحقيق رؤية "عُمان 2040"، ويضع سلطنة عُمان في مركز رائد في مجال الطيران والخدمات اللوجستية على الصعيدين الإقليمي والدولي.

نأمل أن تواصل الهيئة هذا الأداء المؤسسي المميز عالي المستوى، وأن تستمر في البناء على ما تحقق نحو المزيد من الإبداع والتأثير الإقليمي والدولي .

علي بن راشد المطاعني