كتبت كثيرا خلال السنوات الماضية عن أهمية دمج صناديق التقاعد الحكومية المدنية والعسكرية والخاصة البالغ عددها 11 صندوقا تقاعديا ، ومن ثم ضمها في صندوق أو اثنين بالكثير على اعتبار أن عددها كبير مقارنة بعدد الموظفين المنضوين تحتها ، وأن من شأن ذلك مضاعفة قوتها وتحقيق الأهداف المرجوة منها .
بالأمس صدرت المراسيم السلطانية بدمج كل الصناديق في صندوقين الأول للمدنيين في القطاعين العام والخاص والآخر للأجهزة العسكرية ، وبذلك تحقق ما كنا نتطلع إليه تحقيقا عمليا للمصلحة العامة ولبلورة الكثير من جوانب العمل لصناديق المعاشات وخدمة المنتسبين والإستدامة المالية لها ، إشارة إلى أن الأنظمة التقاعدية التي طبقت في السنوات الماضية كل على حده أسهمت في إفراز عجوزات اكتوارية لا تستطيع تلك الصناديق الوفاء بإلتزاماتها مستقبلا ، إضافة إلى أن قدراتها المالية ضعيفة ولا تقوى على إستثمار أموال المساهمين في أوعية إستثمارية داخل سلطنة عُمان وخارجها لتدر دخلا إضافيا لكون تلك الصناديق متناثرة ولا تملك أموالا كافية ولا قدرات تحليلية تعينها على الاستثمارات المجدية ، بل أن بعضها دخل في مغامرات استثمارية خاسرة .
الأمر الذي يبعث عل الإرتياح لهيكلة صناديق التقاعد في البلاد وفتح المجال واسعا أمامها للمزيد من العمل الهادف إلى خدمة المتقاعدين وتخفيف الأعباء على الدولة باعتبارها الضامن الأساسي لهذة الأنظمة وممول لها بحصص معتبرة.
بلاشك أن تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - بإصدار مرسومين ساميين رقم 5/2023 ، بإصدار نظام صندوق الحماية الإجتماعية ، والمرسوم 50/2023 بإصدار نظام صندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية يشكل بداية الإنطلاق في الإتجاه والطريق الصحيح لإدارة أنظمة التقاعد في البلاد بشكل أكثر كفاءة وفي جهاز مركزي أكثر قدرة على التعاطي مع المستجدات الوطنية والدولية وبما يفي بالإستحقاقات المستقبلية لنظام المعاشات في البلاد كغيرها من الدول .
الإحصائيات تشير إلى أن عدد المشتركين في أنظمة التقاعد بلغ 650 الف مشترك ، وتخدم الصناديق 180 الف متقاعد ، وبالتالي لا يستوجب الأمر كل ذلك العدد من الصناديق فجاءت المراسيم لتحقق غايات كبيرة وكثيرة وتحمل رؤية واضحة لمعالجة الإختلالات في نظام المعاشات حاضرا ومستقبلا ، وكذلك رسم ملامح جديدة تفضي لتحقيق الإستقرار والإستدامة لأنظمة التقاعد والمساواة في المزايا للمتقاعدين .
إن توحيد أنظمة التقاعد يحقق الكثير من الفوائد ويلغي التباينات التي كانت تثير الضغائن بين أبناء الوطن الواحد ، فقد نجد في أسرة وبيت واحد خمسة موظفين ينتمون لخمسة أنظمة تقاعد مختلفة في المزايا والأعطيات ، مما يلقى بظلال قاتمة على الإنسجام والألفة بين أفراد الأسرة .
لعل من الأمور المهمة الآن وضع أهداف واضحة لصندوق الحماية الإجتماعية عبر تنفيذ رؤية وسياسة وبرامج الحكومة المتعلقة بالحماية الإجتماعية وتوفير التغطية الإجتماعية اللائقة والعادلة والكافية لكل فئات المجتمع وتعزيز إدارة موارد الصندوق وإستثمار أمواله بما يحقق أفضل عائد ممكن والمواءمة بين اصول الصندوق وإلتزاماته الحالية والمستقبلية وإنشاء منظومة متكاملة ومستدامة للحماية الإجتماعية ومتابعة وقياس أداء كافة برامج الحماية الإجتماعية .
كما إن مساواة أنظمة التقاعد في الدولة للمدنيين والعسكريين من شأنه أن يحقق العدالة في استحقاقات التقاعد في القطاعين العام والخاص ويقضي على حالة العزوف عن العمل في القطاع الخاص لهذا السبب ، عليه فإن إصدار نظام الحماية الإجتماعية الذي ضم كل الموظفين المدنيين في الدولة تحت نظام واحد من شأنه القضاء على التباينات ويسهم في تحقيق الإستقرار الوظيفي ، كما إن تساوي أنظمة التقاعد المدنية من شانٌه أن يسرع من مجالات التوظيف بالقطاع الخاص ويحفز المواطنين للإنحراط به بعد إنتفاء الأسباب المحفزة كانت للنأي عنه .
بالطبع هذا الإندماج والهيكلة لصناديق التقاعد جاء بعد مخاضات طويلة وجهد بُذل في الفترة الماضية لإيجاد أنظمة أكثر ديناميكية تحقق أهداف واضحة ومرامي طيبة تسهم في إضفاء المزيد من الشفافية والطمانية في إدارة أصول المتقاعدين وإستثمار مدخراتهم تطلعا لمستقبل أفضل وأجمل .
نأمل أن تفتح هده الهيكلة آفاقا أوسع لمزيد من العمل في تطوير أنظمة التقاعد وتطوير المنافع وإيجاد آليات فاعلة وقادرة على تحقيق المزيد من المكاسب تسهم في تخفيف أعباء الحياة وتعين المتقاعدين على الوصول وبأقصر الطرق الممكنة لشواطئ رغد العيش المأمول في ظل حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه .