بقلم : علي بن راشد المطاعني
على الرغم من تزايد المتطلبات التنموية في دولة بحجم سلطنة عُمان ذات المساحة الشاسعة، والاحتياجات المتزايدة والموارد القليلة، والظروف الاقتصادية والمالية التي تعيشها الدولة كغيرها من دول العالم نتيجة للأزمات الاقتصادية والصحية التي عايشها كوكبنا مؤخرا والتي أرهقت الجميع؛ إلا أن الدولة ورغم كل هذا ورغم الالتزامات والمسؤوليات الكبيرة لم يغب التراث أو يتغيب كجدوى ومعنى ودلالات عن البال والخاطر، ولم يختف أبدا من بؤرة العينين؛ فالدولة ممثلة في وزارة التراث والسياحة تعي تماما حقيقة أن ما لدينا من أثار ولقى حضارية ومعمارية لايقدر بثمن، وأن الحصون والقلاع المنتشرة في كل محافظات السلطنة قل أن نجد نظيرا لها في كل دول العالم، وإذا كانت كذلك فذلك يعني أن تاريخ هذا الوطن العظيم ضارب بجذوره في أعماق الأصالة والقدم، وأنه كان أبد الدهر موطن حضارات إنسانية عظيمة، سجلت حضورها الفاعل في صحائف التاريخ الإنساني بأسره. لذلك فإن ما نملكه من آثار سيظل كنوزا تشد إليها الرحال من بقاع الدنيا؛ ليقف الناس على عراقة ومجد إنسان هذا الوطن.
لذا فإن الحفاظ على هذا الإرث سيظل على قمة أولويات الدولة، فهو يحظى على الدوام باهتمام حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه - والتي تعمل ممثلة في وزارة التراث والسياحة على الحفاظ على كنوزنا الأثرية من خلال الترميم والصيانة الدورية؛ واضعة في أولويات الصيانة أهمية الأثر، وبعده التاريخي، وموقعه في خارطة الملاحم البطولية لأجدادنا عبر الأزمان.
الوزارة قامت حتى الآن بترميم ما يزيد عن 310 معالم أثرية في محافظات السلطنة المختلفة، تراوحت ما بين القلاع والحصون والأبراج؛ الأمر الذي يبعث على الارتياح والاطمئنان لهذه الجهود النبيلة التي تستهدف تأصيل حضارة شعب كتب التاريخ قبل أن يكتبه التاريخ.
وإذا ألقينا نظرة موضوعية على ضخامة جهود الترميم والصيانة - وهي عمليات مرهقة وعلمية وشاقة- إذ تحرص الوزارة كما يقول الخبراء على إعادة الأثر إلى ذات الحالة التي كان عليها (تقريبا) مستخدمين مواد طبيعية كالصاروج والجص والطوب الطيني (الطفال) وحجارة البناء؛ وهي القاسم المشترك الأعظم في عمليات الترميم. وقد أكدت الجهات المختصة بالوزارة أنه قد تم حتى الآن ترميم 83 قلعة وحصنا وسورا؛ حتى تلك التي يملكها الأهالي فإن الوزارة تشملها بالرعاية والصيانة والاهتمام باعتبارها جزءا أصيلا من الكل، ومن هنا يأتي التكامل واجب الاتباع في عمليات الصيانة المرهقة والمكلفة ماديا.
كما تم ترميم 145 برجا، و 80 مسجدا أثريا قديما يؤكد أصالة الإسلام في هذه الأرض الطيبة.
وقد أكدت الوزارة بأن هناك العديد من مشاريع الترميم والصيانة تجري على قدم وساق؛ منها قلعة الرستاق، وحصن طاقة بمحافظة ظفار، وحصن مرجب بالبريمي، ومسجد أود حمد بمحافظة جنوب الشرقية.
وأيضا طرحت الوزارة العديد من المناقصات لترميم حصن جبرين، وقلعة صحار، وبرج العويد بولاية المصنعة، وإعادة بناء برج السيب، وجامع وحصن عبري، والعديد من المواقع الأثرية التي لا يسع المجال لذكرها هنا جميعا في هذه العجالة.
نأمل أن تستمر الوزارة في إعادة البهاء والاعتبار التاريخي لكل قلاعنا وحصوننا وأبراجنا، وأن تكلل هذه الجهود بالنجاح والتوفيق، فهي لا تقل أهمية عن كل الجوانب الحياتية الأخرى، ذلك أن إعادة الألق والبهاء والرونق لهذا الإرث الحضاري والإنساني العظيم يعني المساهمة بقوة في رفد القطاع السياحي بالبلاد، والذي تعول عليه الدولة كثيرا في إطار سياسة تنويع مصادر الدخل؛ والتي يجري تنفيذها والعمل بها بهمة وعزيمة.