بقلم: علي المطاعني
آثار قرار رفض وزارة التنمية الإجتماعية لإشهار جمعية الغارمين الخيرية جدلا واسعا في الأوساط الإجتماعية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ حول ماهية هذه الجمعية ودورها والضوابط القانونية التي تحكمها وأهدافها المعروفة والخافية، والآليات التي سوف تتبع لمراقبتها إلى غير ذلك من فرضيات تحوم حول هذه الجوانب والتي من الطبيعي أن تكون محل نقاش.
إلا أنه يجب أن نعرف جيدا بأن الحكومة ممثلة بوزارة التنمية الإجتماعية وغيرها من الجهات ليست ضد أي فكرة تخدم المجتمع مادامت سليمة الأهداف والغايات وواضحة المعالم في إدارتها وسبل تحصيلها للأموال العامة وتوظيفها، الأمر الذي جاء على ضوءه قرار الرفض مرتكزا على العديد من الأسباب التي تشير إلى أن طلب إشهار الجمعية يفتقر لبعض الجوانب منها عدم مطابقتها لمعايير قانون الجمعيات الأهلية، ولا توجد ضمانات بنكية تحفظ حقوق المشاركين، بل أن نظام عملها المفترض وأدوارها غير واضحة للمؤسسين والمساهمين، فضلا عن العشوائية في إدارتها وعدم وجود استدامة لها، إضافة لوجود جمعيات خيرية تقوم بما تقوم به كلجان الزكاة في كل ولايات السلطنة وغيرها من الجمعيات الخيرية، الأمر الذي يتطلب عدم التعاطي مع محاولات القفز والإلتفاف على الأنظمة والقوانين تحت غطاءات عدة لتنفيذ مرامي وأهداف غير واضحة وبدون آليات لضبط مسار التبرعات وكيفية صرفها.
لقد عانى المجتمع العُماني الكثير من الجمعيات الوهمية التي تختبئ خلف غطاء الأعمال الخيرية، وفيما بعد جمع الأموال والتبرعات من الناس يتبخر كل شيء في نهاية المطاف وتضيع مدخرات المواطنين سدى، وهناك الكثير من الضحايا لهكذا ممارسات نجدهم منذ سنوات وحتى اليوم يسددون الإلتزامات المالية المترتبة عليهم، لذا فإنه لا يمكن أن نكرر التجربة وتحت غطاء حكومي عبر موافقة وزارة التنمية الإجتماعية على هذا النوع من الجمعيات التي سوف تجمع أموال من الناس لتسديد ما على المحكوم عليهم بالسجن، ولايعرف مدى جديتها في ذلك وقد تستعطف الناس بحالات مديونة وبدون آليات واضحة في كيفية التسديد ومراقبتها بشكل دقيق.
ولكن قبل كل شيء لا يجب أن نؤسس ونقنن ثقافة الإتكالية في تسديد الديون عن أناس غير مبالين في حياتهم وتراكمت عليهم الديون نتيجة لممارستهم الحياتية الخاطئة، ثم نبرر ونبرئ اخطاءهم بدفع ديونهم الشخصية، فهذه الممارسات لا تربي المجتمع على أساسيات الجدية وترتيب الأولويات في حياة كل فرد، كما إننا لا نعرف في الواقع بأن هناك جمعيات مماثلة في الدول العربية والإسلامية على هذا النمط لكي نشير إليها كسابقة تستحق الإتباع.
إن الأعمال التي تقوم بها الجمعيات الخيرية كجمعية دار العطاء والرحمة والجسر والفرق الأهلية ومؤسسة بهوان الخيرية وغيرها وكذلك لجان الزكاة في الولايات تؤدي ذات الأعمال التي ترغب ان تقوم بها جمعية الغارمين التي لم يتم اشهارها، فما الاضافه التي يمكن أن تقدمها، فضلا عن أن نظام جمع الأموال والتبرعات هل سيكون محوكم وبنحو صحيح.
بل ان نظام الجمعية قائم على مشاركات المساهمين لتسديد مديونيتهم، وهذا النظام اقرب للنظام المالي المصرفي، بعيد كل البعد عن نظام وآلية عمل الجمعيات الخيرية.
فحفاظاً على حقوق الناس وعدم ضياعها لابد من وجود انظمة رقابية وضمانات يستند عليها المساهم في حالة وجود أي اختلاف..
بالطبع الجهود المبذولة مقدرة من الجميع في هذا الشان وغيره ولكن لا يجب أن تنحدر الأمور لمستويات غير مرغوب فيها، او التلويح بالبحث عن بدائل وغيرها بعيدا عن المظلة الرسمية، فجمع الأموال من عامة الناس ممنوع بحكم القانون ومن يسعى لذلك سيقع تحت طائلته كأمر طبيعي.
نأمل ان نكون اكثر إدراكا بأن الدولة ومؤسساتها تعمل وبنحو جاد لمعالجة قضايا المجتمع ومشكلاته الإجتماعية مهما صغر حجمها، وهناك مؤسسات متخصصة ومعنية بهذه النواحي، لكن في المقابل لا يجب علينا السعي لتمييع سلوكيات المجتمع ثم نلقي به في مستنقع الإتكالية ونجعل أفراده غير جادين في تعاطيهم مع ضرورات الحياة وإلتزاماتها المعيشية والإقتصادية والأسرية، وأن نجعل الفرد بعيدا تماما عن ضرورات ترشيد الإستهلاك والإنفاق، بل نحثه على التبذير وبإعتبار أن هناك جهة ما ستقوم برتق نسيجه الإجتماعي الإقتصادي الممزق.