بقلم: محمد محمود عثمان
لاننكر ولا يخفى ذلك على بشر أن هناك معاناة في أسواق العمل وسوء استثمار لرأس المال البشري ،بعد الترنح الذي عانت منه ونعاني منه جميعا خاصة في القطاع الخاص ، الذي تولدت فيه مشاكل الفجوة المهاراتية ، وكشفت عنها جائحة كورونا وعمقتها حرب أوكرانا ، وأظهرت سلبياتها التراجعات الحادة في فرص العمل المتاحة أو المتوقعة في المدى القريب و البعيد ،
وقد أفرزت تلك الأزمات وجود 3 ملايين عاطل على مستوى العالم وزيادة معدلات البطالة ،
في الوقت الذي تنهار فيه أسواق العمل ، مع زيادة الضغوط على الأفراد وشركات القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب والمحليين وعجزهم عن الوفاء بديونهم وبمستحقات البنوك وأجور العمال والإيجارات ، أو سداد القروض ،حيث تستمر البنوك ومؤسسات التمويل وأصحاب العقارات في مطالبات قضائية لشركات القطاع الخاص والأفراد والعمال المسرحين الذين فقدوا مصدر الدخل ولم تستوعبهم الشركات الأخري ،و محاصرتهم بالديون والالتزمات والشيكات والإيجارات المتأخرة والقضايا التي تهددهم بالسجن ، لنجد الصورة أكثر قتامة ، لذلك وضع المسؤولون في وزارات الشؤون الاجتماعية والقوة العاملة والعمل ، أصابعهم في آذانهم، وفضلوا وضع رؤوسهم في الرمال ، وخرجوا بعيدا عن الصندوق بدلا من أن يفكروا من خارجه ، مما عمق الأزمة في جميع أنحاء العالم ، باستثناء بعض دول أوروبا التي لديها آليات للتعامل مع المسرحين من العمل ومن يفقدوا وظائفهم من خلال نظام مقنن للتعويضات لمدة ستة أشهر أو سنة تقريبا لتطوير مهاراتهم الفنية وإكتساب خبرات جديدة تمكنهم من الحصول على فرصة عمل جديدة تتناسب مع قدراتهم وخبراتهم ، على أن يتم بعدها عرض فرص العمل المتاحة من قبل الدولة ، وإذا تم رفضها يتم وقف منحهم التعويضات الحكومية ،
وما يفاقم من الفجوة المهاراتية انتهاج سياسات الإنغلاق على الموارد البشرية المحلية وشعار الحق في التوظيف وتوطين الوظائف ، التي تحمل في طياتها أبعادا وطنية وإنسانية ، ولكنها قد لا تستقيم مع كل الظروف والمتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية والتوترات والاحتقانات الشعبية والمجتمعية الآنية ،التي تعاني منها معظم الدول ، في ظل تذبذب أسعار النفط وارتفاع تكلفة الطاقة وزيادة معدلات التضخم والارتفاع الباهظ والمطرد وغير المنضبط للأسعارنتيجة لمشاكل سلاسل الإمداد ، والخوف مما هو قادم لأنه الأصعب والأسوأ ، الذي يضربالقطاع الخاص ومؤسساته ويؤثر على الدخل والإنتاج ،
لأن القطاع الخاص يعاني من الفجوة المهارتية الناتجة عن نقض الأيد العاملة الماهرة من العمال الوطنيين والوافدين على حد سواء ؛
لنقص معاهد التدريب والكليات التقنية ، وإنعدام الدافعية للتعلم ، والهروب أو التسرب منها وعدم الرغبة في تطوير المهارات ، التي تتوافق مع الاحتياجات الجديدة لسوق العمل،
، فضلا عن عدم توافر قواعد البيانات حول المتاح من الوظائف والمهارات الحديث التي تتطلبها ، والمتوفر منها في الأسواق المحلية ، والاحتياجات والطلب المتوقع لخمس سنوات قادمة على الأقل ، التي تساعد عند وضع الخطط والبرامج والتي يجب أن تهتم بها وزارات التجارة والصناعة والقوى العاملة أوالعمل وغرف التجارة والصناعة ولجانها المتخصصة ،وألا تكتفي وزارات القوة العاملة أو العمل بالإعلان عن وظائف ضئيلة وضحلة في الشركات ، لا تمثل رقما في حل مشاكل الباحثين عن عمل ، وهى في الأساس ليست من مهام الوزارة لأنها ليست مسؤولة عن التوظيف بل عن التشريعات العمالية وتنظيم أسواق العمل ومراقبتها،
لأن القطاع الخاص يحتاج إلى الأيد العاملة المدربة من أصحاب المهارات الفنية المرتفعة التي يحتاجها السوق ، وسوف يفتقدها في المدى القريب ، وهي تعد من الميزات التنافسية أمام المستثمر الأجنبي ، في ظل المتغيرات التكنولوجية والعلمية التي تسابق الزمن ، وتفُوق القدرة على الاستيعاب والاتقان الذي تتطلبه فنيات التعامل مع تشغيل الأجهزة والآلات الحديثة والمتطورة ، الأمرالذي يفاقم من حجم الفجوة المهاراتية ، ومن المتناقضات أن نجد أصوات القطاع الخاص ترتفع بالمطالبة بتسهيل الإجراءات وتخفيض الرسوم والضرائب ، في الوقت الذي تتجه فيه أموال ورأس مال القطاع الخاص إلى الخارج ، بدلا من ضخها في الأسواق المحلية وتبني مبادرات للتدريب المهني للشباب الباحث عن عمل وإعدادهم لحمل المسؤولية وتزويدهم بالمهارات الحديثة التي تحتاجها شركات القطاع الخاص ، لأن التقدم التکنولوجي يتطلب التقدم التقني ومهارات خاصة للتعامل معه، وهو ايضا نوع من استثمار الموارد البشرية وتأهيلها لتضع أقدامها في أسواق العمل الخارجية خاصة في أوروبا القارة العجوز، التي تحتاج
إلى الأيد العاملة الفنية الأجنبية في السنوات المقبلة ،
لأن الإحصائيات تشير إلى فقد الاتحاد الأوروبي أكثر من 66 مليون عامل حتى عام 2050 وتحتاج لسد هذاالفراغ الناتج عن زيادة عدد المسنين والمتقاعدين وانخفاض معدلات المواليد وعلينا نتسعد لاستثمار مواردنا البشرية ، قبل أن تسبقنا إلى هذه الأسواق دول جنوب آسيا والهند بما لديها من فوائض في الأيد العاملة المهنية والرخيصة ، التي تمكنها من غزو هذه الأسواق ، وفي المقابل من الضروري ألا يقف الشباب جامدا أومتفرجا فعليه مسؤولية الجد والاجتهاد في تطوير مهاراته ومعارفه ،حتى لا تتفاقم الفجوة الرقمية ، و حتى يتكمن من المنافسة مع الآخرين في أسواق العمل ،وفي ظل استخدامات الذكاء الاصطناعي .
==================
*mohmeedosman@yahoo.com