بقلم : محمد محمود عثمان
الأزمات الاقتصادية المتعاقبة تجبر العالم على البحث عن البدائل المحلية واستثمارها، ومن أهم الخيارات هوالمناطق الصناعية، والمناطق الحرة، التي لهاالأولوية في الاقتصادات الناشئة، باعتبارها من أهم عناصر التقدم الاقتصادي وأهم مرتكزات التنمية الشاملة الحقيقة، إذا اعتبرنا أنها القطاع المنظم والمؤهل لتوجيهه، لتلبية متطلبات الاستثمار وللحد من الفجوة التصديرية، وتقليص الاستيراد، وجذب الاستثمارات الأجنيبة المباشرة، والحاضن الأساسي لتوطين التكنولوجيا الحديثة، وهى المحفز المحلي الأول لاستقطاب الاستثمارات الوطنية وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة في خطط التنمية الاقتصادية، إلى جانب جلب التقنيات المتطورة والتدريب عليها ونقل الخبرات بالشراكة أوالتعاون مع الشركات الأجنبية الكبرى المسيطرة على الأسوق العالمية، ولا شك أنها مسؤولية كبيرة على عاتق إدارة المناطق الصناعية أن تستثمر إمكانيات هذه المناطق لتكون بؤرة النشاط الاقتصادي ومحوره الرئيسي، لفرضية وجود البنية الأساسية والفوقية التي تفي بمتطلبات مختلف أنواع الاستثمارات التي تدعم تنشيط الحركة الاقتصادية، وتسهم في توفير فرص عمل جديدة، بعد تعثرمعظم الشركات التي أصيبت بآثار وباء كورونا ومتحوراته، التي فشلت الدول في التعامل معها، بعد الاستسلام للجائحة، والإغلاق التام للحدود والمنافذ، ونموالانكماش الاقتصادي الذي فرض نفسه على كل القطاعات والأنشطة، والذي صاحبه تخلي أو عجز معظم الحكومات عن عمليات التوظيف، بعد أن أوصدت أبوابها أمام جحافل الباحثين عن عمل، مع موجة تسريح العاملين، لذلك يأتي الدور الإيجابي للمناطق الصناعية باعتبارها الملاذ المنشود- خاصة مع دورها المفقود - في مواجهة طوابير الخريجين الطارقين لأسوق العمل، في ظل تناقص فرص العمل المتاحة، التي نتجت عن الانكماش الاقتصادي الذي صنعه وباء «كورونا، ودعمته الحرب على أوكرانيا، واستثمار ذلك في جعله الشماعة التي نلقي عليها أسباب الفشل أو القصور أو العجز عن تدبير متطلبات الاستثمار، او كبح جماح الأسعار، وعدم التخفيف عن كاهل محدودي الدخل وهم الأغلبية في معظم الدول، أو الحد من التضخم، خاصة المستورد، أو انهيار أسعار العملات المحلية أمام العملات العالمية ومنها الدولار الإمريكي، الأمر الذي أصاب المجتمعات بحالة من التوتر والاحتقان الشديد، لذلك فإن للمناطق الصناعية أهمية كبرى وأساسية في الاقتصاديات الناشئة، بما لديها من التشريعات والقوانين التي تمتع بالمرونة، ومن ثم تسهم في انسياب العمل، وتدفق الاستثمارات وتنمية الاقتصادات.
لذلك علينا أن نتاكد أولا: من تحقيق هذه المناطق لأهدافها، وتصفيتها من المستثمرين غير الجادين الذين لا يملكون إمكانيات مالية أو استثمارية، ولا يقدمون التكنولوجيا أو التقنيات الحديثة، وفئة المستثمرين الباحثين عن تأشيرا الإقامة، وإعادة تقييم العائد من هذه الفئة التي قد تضر بجدوى وبسمعة الاستثمار على المدى الطويل، بل وتؤدي إلى هروب الاستثمارات وثانيا: إعادة التقييم للقائمن عليها، وثالثا: التحقق من إقامة الصناعات التي يحتاجها المجتمع للحد من الاستيراد من الخارج، خاصة مع استمرار مشاكل سلاسل الإمداد العالمية ورابعا: تعزيز الصناعات المحلية بالتكامل وليس بالتنافس بين هذه المناطق، طبقا للمميزات النسبية لكل منطقة وخامسا: تغطية متطلبات السوق كخطوة أولى، ثم التوجه للتصديرللأسواق الخارجية ثم سادسا: الوقوف على نواحي الضعف أو القصور، ووضعها تحت المجهر، لأننا قد نشهد الكثير من المناطق الصناعية التي أقيمت منذ عشرات السنين، وليس بها صناعة حقيقة سوى اسمها فقط، لأنها أقميت على غير أسس اقتصادية سليمة، أو خطط مدروسة، وافتقدت إلى المشروعات العملاقة القادرة على توفير فرص العمل الجديدة والحقيقية، والتي تمثل قيمة مضافة للاقتصاد وللمجتمع، فأصبح معظمها عبئا على اقتصاديات هذه الدول، لأنها تكتظ بالعاملين والإداريين، وصارت قيدا على عمليات التنمية والاستثمار، خاصة في الدول التي تأخرت في تطوير أو تجديد تشريعاتها المنظمة والمشجعة على الاستثمار، في إطارالمنافسة العالمية الشرسة، التي تتطلب التجديد المستمر في النظم والإجراءات والتشريعات، ثم تثبيتها لعدة سنوات، في مواجهة التحديات التي تفرضها المناطق الصناعية والحرة في المناطق المجاورة أو على الصعيدين الاقليمي والعالمي، وذلك حتى يمكن أن نُحقق أهدافنا لتنويع مصادر الدخل، في ظل التحديات القائمة والقادمة مع تذبذب أسعار النفط وتوقف عجلة الإنتاج ودولاب العمل لفترات طويلة وإفلاس وتعثر الكثير من الشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية، وحاجتنا الماسة إلى زيادة الموارد، وتدفق الاستثمارات من جميع دول العام.