بقلم: علي المطاعني
الجهود التي تبذلها وزارة المالية في إعداد الميزانية العامة للدولة والموازنة بين الإيرادات والإنفاق وتوزيعه على المؤسسات الحكومية في خضم المتغيرات الإقتصادية الدولية المتسارعة تبعث على الارتياح والاطمئنان للمزيد من الاستقرار المالي والإقتصادي في الفترة المقبلة، وتؤشر على أن إدارة المالية العامة للدولة في أيد أمينة تعمل ليل نهار على بلورة كل ما من شأنه الحفاظ على المكانة المالية للدولة من كافة الجوانب بالمزيد من التحوط والحذر من تقلبات أسعار النفط ، والإسهام في الحفاظ على إستدامة وكفاءة الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين بتعزيز الجوانب الإجتماعية في كل ميزانية وفق أسس علمية مدروسة ، الأمر الذي يبعث على التفاؤل لهذا التعاطي الإيجابي الذي لا يفرط في الثوابت الأساسية المهمة والتي تضفي أبعادا للتنمية الشاملة.
في المقابل يؤسس لإستدامة مالية لا تخطئها الأعين والتي تتجلى في المزيد من الإنجازات التي خفضت الدين العام للدولة إلى مستويات غير متوقعة من خلال توظيف الوفورات المالية توظيفا دقيقا يسهم في تخفيف الدين العام وإنعكاساته على الميزانية العامة للدولة. بلاشك أن إجراءات الإدارة المالية ليست بالمسألة السهلة حيث تتطلب التوفيق بين العديد من الجهات الحكومية التي تتسابق لزيادة مخصصاتها وبين العديد من بنود الإنفاق الجارية والرأسمالية والإستثمارية والإلتزامات الوطنية والدولية لتعمل وزارة المالية بشكل متوازن على تلبية متطلباتها بشكل لا يؤثر على الوضع المالي للدولة ولا يخل بالأساسيات لتسير الأمور في مرحلة دقيقة نسعى من خلالها لتصحيح الأوضاع المالية بشكل يسهم في الإستدامة المالية وإستقرار الأوضاع الإقتصادية.
في الواقع فإن وزارة المالية تعمل على مسارات متعددة في إطار التوازن واجب الإتباع بين الإستدامة المالية ودعم التنويع الإقتصادي من خلال المزيد من الإعفاءات ومضاعفة الإنفاق الإستثماري وجدولة الرسوم والضرائب على نحو محفز للقطاع الخاص ليعمل في بيئة إستثمارية مشجعة وتنافسية. ولعل إلغاء ودمج مئات من الرسوم في عدد من الجهات الحكومية قبل أيام يعد مؤشرا جيدا يعكس رغبة الحكومة في إحداث التوازن المطلوب كما أن إضافة 702 مليون ريال لتنفيذ مشاريع إضافية في الخطة الخمسية التي تتنهي في عام 2025 لدعم قطاعات الصحة والتعليم والنقل والموانئ والطيران والإسكان والسياحة يضاف إلى الجهود الرامية للتحفيز الإقتصادي جنبا إلى جنب مع إدامة مستويات الخدمات الإجتماعية. ومراعاة ميزانية 2023 للأهداف الإجتماعية كان واضحا بشكل جلي في التقديرات الأولية التي أعلنت عنها وزارة المالية حيث بلغ إجمالي الإنفاق الإجتماعي 4.3 بليون ريال بنسبة 34% من إجمالي الإنقاق الكلى في الميزانية ، وكان نصيب التعليم 44% منها ، والضمان الإجتماعي 22% ، والإسكان 12% ، والصحة 22% . الجانب الآخر الأكثر إشراقا في جهود وزارة المالية في إعداد الموازنة العامة هو التوازن بين الإنفاق الجاري والرأسمالي الذي تجتمع فيه العديد من الجهات يعكس الرغبة الأكيدة والجادة في التحفيز الإقتصادي وجلب الاستثمارات.
ومن ناحية عامة فإن ماتم الإفصاح عنه بنحو رسمي من أن العجز المتوقع في الموازنة يبلغ 1.3 بليون مع تقدير سعر برميل النفط بـ 55 دولاراً نحسبها مؤشرات جيدة ، إذ أن وضع السعر في الخانة الآمنة تحسبا للتقلبات المتوقعة هو إجراء سليم بالطبع ، إشارة إلى أن سعره الآن في حدود 95 دولاراً للبرميل مقارنة مع 59 دوراً لنفس الفترة من عام 2021 . وعلى ذلك فإن إيرادات الموازنة المتوقعة تبلغ 11.65 بليون ريال ، ويتوقع تحقيق 7.45 بليون ريال من إيرادات النفط ، و3.55 بليون ريال من إيرادات الغاز ، و 3.22 بليون ريال ايرادات غير نفطية ، ومن المتوقع أن يبلغ الإنفاق العام نحو 12.95 بليون ريال .
كما أن ارتفاع إنتاج السلطنة من النفط الى متوسط 1.056 مليون برميل يوميا بنهاية شهر أكتوبر مقارنة بـ 960 الف برميل العام الماضي 2021 يضيف بعدا جيدا لإستقرار الموازنة . وفي مطلق الأحوال فإن موازنة عام 2023 جنحت بنحو جلي إلى إنتهاج مبدأ الشفافية والوضوح بعيدا عن الأمنيات والتوقعات غير الواقعية وبإعتبار أن المكانة المالية للسلطنة تعتمد تماما على دقة البيانات وعلمية التوقعات وإستنادها لمؤشرات قوية غير قابلة للشكوك ومن واقع إستنباط مؤشرات الموازنات السابقة ودراسة نقاط الضعف فيها وتجنبها قدر المستطاع . نامل أن تحقق موازنة عام 2023 كل الآمال المعقودة عليها إذ يمكننا تسميتها بموازنة (التعافي الإقتصادي) بعد السنين العجاف الماضية التي عايشناها ، وما تخللته من أزمات أملتها جائحة كورونا وتوابعها الجسام التي ضربت كل مفاصل القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها السياحة التي تأثرت أكثر من غيرها كما هو معروف.