السياحة بين الدول المجاورة ليست استثنائية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٢/ديسمبر/٢٠٢٢ ٠٩:٢٨ ص
السياحة بين الدول المجاورة ليست استثنائية
علي المطاعني

بقلم : علي المطاعني


البعض يثير الكثير من اللغط حول السياحة بيننا والدول المجاورة في الإجازات والعطلات، ويصور مشاهد السيارات في المنافذ الحدودية كأمر جلل، ويجنح لجلد الذات في الكثير من الجوانب، في حين أن السياحة والتنقل بين الدول سيما المجاورة منها ليست شيئا استثنائيا ولا جديدا في العالم، كما أن السفر من منطقة إلى أخرى ليس أمرا غريبا خاصة للدول القريبة من بعضها والمتاخمة حدودها بمسافات طويلة.

ويجب ان نعرف بأن النفس النفس البشرية ميالة إلى السفر كنوع من التغيير، وأحيانا لا نجد الرحيل والترحال داخل حدود البلد الواحد إتساقا مع ما تصبو إليه النفس البشرية في الخروج واستطلاع المجتمعات والبلاد الأخرى، ومنذ القدم يعد ما سطره أدب الرحلات من تنقلات بين البلدين شاهدا على وجود هذا الشغف.

وإتساقا مع هذه الميول البشرية عمدت الدول للاهتمام بالجوانب السياحية لديها باعتبارها صناعة مهمة تلبي تلك الرغبات الإنسانية، كما أمست مصدرا مهما للدخل الوطني في كل دول العالم، على ذلك ينبغي علينا أن نتفهم الكثير من هذه الأمور وتقدير وإحترام رغبات البشر في هذا الشأن بعيدا عن التأويلات والتفسيرات السالبة التي لاتسفر عن نتيجة تستحق التأمل فيها بإعتبارها تأويلات خارجة عن نطاق المألوف وبعيدة عن خصال البشر التي أودعها الله في النفس البشرية.

وإذا ألقينا نظرة موضوعية على المؤشرات الخاصة بنا نجد أننا نستقبل سنويا أكثر من 3 ملايين زائر أو سائح وفقا للإحصائيات الرسمية، ومن بينهم الأشقاء بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وخاصة في موسم السياحة في فصل الخريف، وكأمر طبيعي أيضا لم نسمع أصواتا نشاز في تلك الدول بوسائل التواصل الإجتماعي لقاء سفر مواطنيها إلينا وللاستمتاع بامكاناتنا السياحية الضخمة، فهذا شأن أكثر من مألوف ولا يثير انتباها ولا يستحق تعليقا من الأساس، فمحافظة ظفار تستقطب أكثر السياح من الدول المجاورة في فصل الصيف والأمر في إزياد عام بعد الآخر ولله الحمد.

وفي هذا الصدد فإن البيانات الصادرة عن شركة forwardkeys، أشارت إلى أن سلطنة عُمان تسجل زيادة في عدد السياح مقارنة بالعديد من المقاصد السياحية في المنطقة، حيث تشهد زيادة تفوق 93% من بداية سبتمبر 2022، وحتى نهاية العام الجاري، مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، وخاصة من الأسواق العالمية بزيادة تبلغ 156%. ونوه التقرير إلى إنه من المتوقع أن يرتفع عدد الزوار القادمين إلى السلطنة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بنسبة 196% حتى نهاية العام الجاري، وتُعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أكبر الأسواق المصدرة للسياحة للسلطنة بنسبة زيادة بلغت 196%، بل أن عدد الزوار الإماراتيين القادمين إلى سلطنة عُمان في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بلغ 131 ألف زائر.

وهو ما يشير إلى أن السياحة البينية ترجح كفة سلطنة عُمان، وربما يكون ذلك غير ملحوظ عندما يكون التنقل جوا من خلال رحلات الطيران عبر إتفاقية الأسواق المفتوحة الموقعة بين البلدين، أكثر منه عن الطرق البرية، هذا فضلا عن أن هناك أربع محافظات تشكل نصف عدد سكان سلطنة عُمان محاذية لدولة الإمارات وهي محافطة الباطنة والظاهرة والبريمي ومسندم، فمن الطبيعي أن تشهد هذه الولايات تدفقا سياحيا في العطلات والإجازات لعدة أسباب سواء للتغيير والترويح عن النفس أو للتسوق.

وفي المقابل ليس معنى ذلك عدم وجود سياحة داخلية بين المحافطات والولايات، العكس هو الصحيح فلا يكاد أن تجد فندقا أو نزلا سياحيا خال حتى قبل أيام من بدء الإجازة، وبالتالي ليس هناك ما يدعو للاندهاش أو الاستغراب أو الاستهجان.

فالقطاع السياحي في سلطنة عُمان ودولة الإمارات‏ العربية المتحدة يشكل متنفسا طبيعيا لكلا الشعبين نظرا للتقارب الإجتماعي والجغرافي والتجاري القائم ما برح بين البلدين الشقيقين.

ولا ننسى في هذا الصدد بأن سلطنة عُمان ودولة الإمارات هما أكبر شريكين تجاريين، كما أن هناك 3.000 شركة إماراتية مسجلة في سلطنة عُمان، كما إرتفعت الصادرات العُمانية غير النفطية للإمارات بنسبة 71%، وسجل التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2021، ما قيمته 5.7 مليار ريال عُماني.

ومن خلال لغة الأرقام التي أشرنا إليها نجد أن العلاقات الثنائية بين البلدين وفي إطارها السياحي والثقافي والإجتماعي أكبر من كل الكلمات فهي تؤكد بان التدفق الاقتصادي والسياحي على وجه الخصوص بين البلدين يعد في مطلق الأحوال تحرك منطقي وطبيعي أملاه التلاحم والتكاتف وتبادل المصالح بين البلدين فلا يجب ان نحمل الامور اكثر مما تحتمل، وهذه ليست حالة إستثنائية وانما هناك حالات مماثلة بين الدول المتجاورة.. نامل أن نضع هكذا أمور في نطاقها العلمي والإقتصادي والإستثماري الصحيح والمستند للوقائع والأرقام والمستندات وقبل الخوض في أحاديث لاتستند إلى أي حقيقة يمكن أن تفضي لشئ يمكن الركون إليه والإعتداد به.