بقلم : علي المطاعني
وجد تعميم وزير الصحة الجديد معالي الدكتورهلال بن علي السبتي بالرقم: 2/2022 بتاريخ 23 يونيو الجاري المعنون لكافة الجهات ذات العلاقة بعدم بل تجريم تعطيل الإحكام القضائية النهائية الصادرة بحق وزارته من أي جهة كانت.
لقد وجد هذا التعميم الفريد والإستثنائي والشجاع أصداء واسعة وطيبة من كل شرائح المجتمع، وإنبرى رواد التواصل الإجتماعي للترحيب به بإعتباره خطوة واسعة في الإتجاه الصحيح بل أعتبروه أول وأفضل خطوة إدارية وقانونية تفرضها جهة حكوميةعلي نفسها بصرامة غير معتادة في العمل الحكومي ليس في سلطنة عُمان فحسب وإنما في دول كثيرة تتعمد تعطيل الأحكام القضائية عليها باعتبارها جهات حكومية وبما أنها كذلك فإنهم يعتقدون خطأ بأنهم فوق القانون، وبما أنهم فوقه فذلك يعني إنعدام الثقة في المنظومة القضائية برمتها ما بقيت أحكامها حبرا على ورق، هنا يقع الظلم الذي حرمه الله عز وجل على نفسه، كما تنسحق العدالة التي أمر بها الله عز وجل صراحة وبدون مواربة، وبما أن الأمر بات كذلك يمكننا القول أن على المجتمع السلام.
إن الذين كانوا يعطلون تنفيذ الأحكام القضائية عمدا ومع سبق الإصرار والترصد كانوا ينظرون بعين واحدة، ويسمعون بأذن واحدة، ويظنون ظن السؤ أن تنفيذ الأحكام يعني إنتقاصا من هيبتهم ومكانتهم وتصغيرا لحجم جهاتهم في عقول الناس والتي يجب أن تظل ضخمة حتى لو كانت الضخامة والفخامة ناتجة من ورم الغرور الذي يتعين إجتثاثة بمقصلة القانون الذي هو كالموت لاتستسني أحدا.
الأن سقطت الأقنعة الكذوب بعيد قرار معاليه الذي أكد عمليا بأن العدل هو أساس الأدارة الناجحة المفضية لإرساء دعائم دولة المؤسسات والقانون على ثرى عُمان الطاهر، صحيح أننا كنا نؤكد بأن القانون هو صاحب الكلمة الفصل والقدح المعلا هذا صحيح، وصحيح أيضا بأن الجهاز القضائي كان ولا يزال يضطلع بمسؤولياته القانونية والإجتماعية والأخلاقية في نشر رداء العدالة ليغطي سماوات البلاد طولا وعرضا، ولكن ماذا يعني أن يصدر قرار لصالح مواطن ثم يتم تمزيقه إن كان ورقا، وتحطيمه أن كان رخاما، وصهره إن كان حديدا وفولاذا، المحصلة النهائية لهكذا ممارسات تقول لايوجد عدل ولا يوجد قضاء ولا قضاة، تلك كانت اللوحة التي حطمها قرار معاليه في يوم تاريخي يستحق أن نحتفي به في كل عام.
الكارثة التي تجاوزناها الآن هو حقيقة أن الأحكام القضائية تصدر عادة باسم جلالة السلطان، والسلطان والقانون سلطة عليا ولايُعلى عليها بطبيعة الحال وتعطيل أحكام تحت هذه الديباجة عظيمة الوزن هائلة المعنى والمغزى والمدلول أمر لايتعين السكوت عليه تحت أي شعار كان، بل أن الذين يعمدون إلى ذلك يجب أن يطالهم القانون الذي عطلوه ولم يقفوا له إحتراما وإجلالا.
كما أن التعميم قادنا جميعا للوقوف أمام حقيقة ساطعة كالشمس مثلا وهو ضرورة إيجاد آليه جديدة حادة كسيف بتار تلزم الجهات الحكومية بتنفيذ الأحكام القضائية في مدة زمنية محددة، ورفع الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى للنظر في في حالة التباطؤ أو عدم التنفيذ في الوقت المحدد لإتخاذ الإجراء الرادع بحق من إرتكب هذا الجرم الممقوت من رب العالمين.
لقد جاء التعميم حادا وبلغة صارمة وأكد بوضوح على معاقبة كل موظف أو مسؤول يتعمد تعطيل تنفيد الأحكام القضائية أو يؤخرها، بل أشار معاليه لحتمية تطبيق المادة 230 من قانون الجزاء العُماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 7/2018 والخاصة بهكذا إنتهاكات، كل ذلك لأجل أن تسعد عيون مبادئ سيادة القانون ولأجل إحترام مبدأ التقاضي النبيل لأخذ الحقوق وكتأكيد على التمدن والرقي وهو يزهو بجلباب دولة القانون التي تسع الجميع بلا ضرر ولا ضرار، وإذا ثبت بأن هناك من يعطل الأحكام الصادرة بحق وزارة الصحة فإن الموظف لن يكون بعيدا عن المساءلة الإدارية في إشارة واضحة إلى أن مسار العمل سيكون من الآن وصاعدا أكثر دقة وصرامة وجدية في تنفيذ الأحكام القضائية والوفاء بكامل حقوق الغير.
إذن فإن هذا التعميم يؤسس لنظام عمل يقوم على مبدأ الشفافية والوضوح في القرار مهما كان الثمن، وهو منحي يتعين أن تتبناه كافة الوزارات تحقيقا لهذه الأهداف شاهقة العلو ولنعلن بعدها بأن العدل والقضاء في السلطنة هما صنوان لمعنى الإستواء والإستقامة والحصافة وهي معاني تقودنا لنبقى أبدا الدهر تحت ظلال شجرة العدل الضخمة بعد الإعلان في كل وسائل الإعلام عن موت (الظلم).
ودولة مات فيها الظلم ذبيحا بسيف العدل ما من شك أنها ستغدو قبلة للمستثمرين ورجال الأعمال من كل بقاع الدنيا وهذا مغنم إقتصادي لايقدر بثمن آتى تلقائيا بعد هذه التعميم الجوهرة.
جميعنا يعلم بأن في الدولة ثلاثة مستويات من السلطات وهي التنفيذية وتمثلها الحكومة والقضائية ويمثلها مجلس القضاء الأعلى والتشريعية ويمثلها مجلس عُمان بغرفتيه، هذه السلطات تعمل بانسجام تام للنهوض بمصطلح دولة المؤسسات والقانون الشهير، وإذا ما حدث ضعف في أحد أضلاع هذه المثلث الناري فما من شك أن تختل موازين العمل في هيكل الدولة برمته، وهذا ما لايمكن السماح به يقينا وتأكيدا.
نامل أن يغدو هذا التعميم بمثابة فتح جديد في مفهوم العمل في كل مفاصل الدولة، وأن يوقن الجميع بأن القانون فوق الجميع، وان على المجتمع الكبير الإطمئنان إلى أن الأحكام القضائية النهائية وعندما تصدر فإن تنفيذها فرض عين لافرض كفاية، وعلى هذا المفهوم الحضاري سنمضي بحول الله في الطريق المفضي لتحقيق رؤية عُمان 2040 وكما يحب ربنا ويرضى..