بقلم : محمد محمود عثمان
الموارد البشرية من أهم العناصر الأساسية للتقدم الاقتصادي خاصة أن التحديات الكثيرة والمتنوعة التي تواجه الاقتصاديات الناشئة في هذه المرحلة خطيرة وتداعياتها مدمرة للاقتصاديات الضعيفة وحتى المتوسطة ، وهذه التحديات تفرض على الإدارات المسؤولة الوعي الكامل في وضع استراتيجيات طويلة المدى مع إتخاذ عدة قرارات سريعة ومدروسة في الوقت ذاته ،ضمانا للحفاظ على كياناتها واقتصادياتها ، بتنفيد مشروعات استثمارية جديدة ، أهمها الاستثمار في الموارد البشرية ، وهو أهم الإشكاليات الاقتصادية ،التي تعد من عناصر النجاح لأي مشروعات استثمارية أوصناعية ، لأن نهضة الأمم تُشيد بسواعد مواردها البشرية المؤهلة ، ولا يتصور أن يكون هناك نهوض أو تطور لأي دولة أو مجتمع، بدون الكوادر البشرية المؤهلة
وفي هذا الإطار علينا أن ندرك جيدا مسؤوليتنا عن مستقبل وتنشئة الشباب ؛ حتى لا نظلمه ونهدر طاقاته ونفل عزيمته أمام متطلبات الحياة ، التي تنعكس مباشرة على الأمن الاجتماعي والتقدم الاقتصادي للمجتمع ، فليس معقولا أو مقبولا أن تُستنزف طاقات وعمر الشباب في سنوات التعليم النظري فيضيع عليه وعلى الوطن اكثر من 20 سنة في مراحل التعليم المختلفة ثم 10 سنوات أخرى أو أكثر للبحث عن الوظيفة أو ينتظرها ، وبعدها تخبو حيوية الشباب ونشاطه وتتجه نحو منحى الهبوط ، وبنظرة اقتصادية نكون قد نجحنا في الفشل وبكل وضوح في استثمار الموارد البشرية ، وعجزنا عن الاستفادة منها في بناء الاقتصاد، بعد ان صنعنا منها طاقات معطلة ، بدلا من التخطيط لإنخراطهم منذ سنوات الدراسة الأولى في العمل والإنتاج في مشروعات صغيرة تبدأ من المنازل والبيوت لأنها تمثل قيمة مضافة للاقتصاد ، ولأن التحدي الأكبر هو نوع وحجم المهارات التي تمتلكها الموارد البشرية لكونها رأس المال المستثمر على المدى البعيد،
هذا على الرغم من وجود كثير من المنظرين الذين يتشدقون بأهمية الموارد البشرية وضرورة تنميتها في كثير من المنصات العالمية والمؤتمرات والمنتديات الدولية والإقليمية ، وللأسف لم يستطع أحد حتى الآن أن يترجم هذه النظريات على أرض الواقع ، فلازالت المناهج الدراسية نظرية والقائمون على العملية التعليمية بعقليات واساليب تقليدية ، تدعمها ثقافات الأسر التي لا تتجه نحو احترام العمل اليدوى والفني ، لذلك تحول أكثر من 90% من طاقات المجتمع إلى عاطلين عن العمل وأصبحوا عبئا على الوطن وعلى الاقتصاد وعلى الناتج الإجماليبل وترتفع الأصوات بين الحين والآخر تحذر من خطورة الزيادات المطردة في السكان ، وهو اعتراف صريح وبأعلى صوت في الفشل عن إدارة منظومة الموارد البشرية من خلال الصراخ ، بعدم القدرة على توفير ميزانيات التعليم والعلاج والإسكان ، والبعض يركز على محاولات إعادة التوجيه والتدريب فيما بعد المدرسة ، وهى جهود تمثل أعباء إضافية على ميزانيات الدول والأسر وعلى المجتمعات بشكل عام ، ونادرا ما تنجح في تغيير أنماط السلوك نحو العمل المنتج ، لأن فلسفة التعليم لا تهتم بإعداد المتعلمين للحياة في ظل التركيز على حفظ واسترجاع المعلومات والنقص الواضح في التعليم التقني على الرغم من أن دولة مثل الصين أوالهند لم تقف عن هذه الإشكالية وتجاوزتها إلى توجيه الموارد البشرية إلى العمل والإنتاج لشارك بجدية في بناء الاقتصاد،وأيضا إعداد الموارد البشرية للتصدير للأسواق الخارجية ، باعتبار أن الاستثمار في الإنسان هوأهم الاستثمارات وهو أساس التقدم ، وأنه لا يمكن نهوض أو تطور المجتمعات، بدون كوادر بشرية قادرة ومؤهلة للعمل في مختلف المجالات ، وأصبح واجب الحكومات أن تعظم قيمة الموارد البشرية وتجعلها اللبنة الاساسية للتقدم والازدهار ، والعنصر الفاعل في بناء الحضارة وتحقيق طموحات المجتمع ، وعلينا في مجتمعاتنا العربية أن نركز على التدريب المقرون بالتعليم ، والتركيز في هذا السياق على التدريبات العملية،
التي تؤهل الموارد البشرية لممارسة عملها بدقة ومهارة ،لتجعلها قادرة على الاسهام في زيادة الإنتاج وسرعة دوران عجلة الاقتصاد بكفاءة ومهنية ،تحقق التوازن والثقة في السوق، بشرط أن تكون لدي الشباب الرغبة والدافعية لتطوير أنفسهم واكتساب المهارات التي تناسب العصر، بحيث لا يتم تخريج أي طالب من التعليم العام أو من الجامعة إلا بعد اجتياز التدريبات العملية ، خاصة أن أسواق العمل لدينا تعاني من نقص مخرجات التعليم التخصصي والفني ، حتى نحقق الهدف والأمل في التحولات الجذرية تجاه التقدم الذي نريده ‘ إذا كانت لدينا الرؤية اولإرادة في التغيير إلى الأفضل ، وأن تتحول المدارس والبيوت إلى مشاغل وورش عمل وإنتاج ، وعلينا أن نختارونحدد ما نريد إنتاجه والتوسع فيه ودعم ذلك بتوفير مستلزماته من الداخل أو الخارج بأسعار مناسبة ، حتى نولد الصناع المهرة الذين يُصيغون وجه الحياة بالعمل والإنتاج ، ويمثلون قاعدة صناعية عريضة للمستقبل ،تؤهلها لممارسة عملها بدقة ومهارة ،أو تكون قادرة على الاسهام في زيادة الإنتاج وسرعة دوران عجلة الاقتصاد بكفاءة ومهنية ،تحقق التوازن والثقة في السوق، وبغير ذلك فإن الكارثة الأكبر أن نفقد أو نخسرطاقات الموارد البشرية ، ونحن في موقف المتفرجين أو المنظرين.