بقلم : علي المطاعني
العلاقات العُمانية المصرية علاقات موغلة في القدم تمتد لاكثر من 3500 سنة ق م، توثيقا لأول تبادل تجاري بين البلدين، وكان اللبان العُماني الشهير أول منتج عُماني فاخر يتم تصديره إلى مصر للحاجة الماسة إليه في تأدية الطقوس الدينية في المعابد الفرعونية المصرية القديمة.
لقد ظلت العلاقات الثنائية بين البلدين نموذجية ومثالية ومتميزة عبر الأزمان والحقب، وستبقى بحول الله كذلك بإرادة قادة البلدين وصميمية الشعبين الشقيقين وعلى كافة الأصعدة والمستويات ذلك أنها كانت قائمة دوما على مبدأ الإحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ومناصرة كل طرف للآخر في المحافل الإقليمية والدولية وبما يحقق مصلحة البلدين وإستتاب الأمن والإستقرار الدوليين.
لقد كتب التاريخ بأحرف من نور ونار الموقف الثابت والواضح والشجاع للسلطنة عام 1979 عندما رفضت قطع العلاقات مع القاهرة بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد، لقد أثبتت الإيام فيما بعد صحة الموقف العُماني عندما قرر العرب إعادة العلاقات مع مصر وإعادة مقر الجامعة العربية للقاهرة بعد أن تم نقله لتونس بعد الإتفاقية.
السلطنة وعندما أتخذت ذلك الموقف الذي كان يُنظر إليه قوميا وقتها نظرة ضيقة بإعتباره موقفا غريبا فإن منطلقاتها كانت أبعد وأشمل وأعمق إذ كانت مسقط ترى بأن مصر هي قمة سنام النضال العربي بل أن السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، أطلق مقولته الشهيرة (مصر لا تُقاطع ولا تُعزل ولا تموت بسبب موقفها)، كما أن التاريخ سجل بإحترام إستشهاد السفير العُماني في القاهرة المقدم/ خلفان بن ناصر الغماري عليه رحمة الله في حادثة المنصة يوم الإحتفال بذكرى نصر السادس من أكتوبر 1981، والذي أستشهد فيه الرئيس المصري الراحل أنور السادات عليه رحمة الله.
لقد إستمرت العلاقات الثنائية بين البلدين بذات الزخم وبذات القوة بعد أن إستعصت على كل الأنواء والخطوب التي عصفت بالعالم والشرق الأوسط إذ يصعب تحديد زمان ووقت أي توترات حدثت بين البلدين، وذلك يعود إلى خصوصية التفاهم والتناغم الدائم في كل القضايا التي تهم أمتنا العربية وعبر كافة المستويات أضافة إلى أن إيمان القيادتين متطابق تماما في حقيقة أن هذه العلاقات يجب أن تبقى في منأى من أي هواجس وأنها أبدا تسعى لتحقيق مصالح الشعبين الشقيقين وهذه هو الهدف المعلا الذي سيبقى شاهقا أبدا.
الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذه العلاقات المتينة وفي ذات الوقت فإن الوضع المستقر للعلاقات يعد نموذجا يجب أن يحتذى بين الدول العربية بعد أن قدمت القاهرة ومسقط نموذجا يستحق الإحترام في صيانة مواثيق وعهود العلاقات الثنائية.
في الواقع تشهد العلاقات العُمانية المصرية منذ اكثر من 50 عاما خلت دفعا قويا وزخما لايستهان به في العديد من المسارات السياسية والعسكرية ومجالات التعاون بين البلدين في الجوانب الثقافية والإجتماعية والإقتصادية التي تسعى لتوثيق الروابط المتينة بين البلدين والإستفادة المتبادلة بينهما بما يسهم في تحقيق الرخاء للشعبين وصولا لأعلى مستوى ممكن من التلاحم والتعاضد والتكاتف وفي ذلك دون شك إضافة هائلة لرصيد الأمة العربية والتي مابرحت تتطلع لتحقيق هذا النموذج المتفرد بين الدول العربية الشقيقة وفي زمن باتت فيه التكتلات الإقليمية والدولية هي السمة الغالبة لدول العالم التي تسعى لتحقيق أقصى معدلات الرفاهية لشعوبها.
لقد قدمت مسقط والقاهرة وطوال ال 40 عاما الماضية أقصى طاقتهما وجهدهما للم شمل العرب وتعزيز التعاون الثنائي والجمعي بين عواصم العرب تأكيدا للحقيقة التي أشرنا إليها بشأن التكتلات الدولية والتي تحتم وجود تكتلات مناظرة لها ليتسنى التعامل معها من باب الندية، والندية وحدها هي التي تجلب الإحترام والعكس هو الصحيح في هذه المعادلة الكونية الماثلة أمامنا.
لقد كانت الرحلات المكوكية بين العاصمتين مستمرة دوما لتحقيق أقصى معدلات التفاهم المشترك وليتسنى التعامل بإقتدار مع كل ما تشهده المنطقة من أحداث أمنية مؤسفة كانت الساحات العربية مسرحا لها في إطار الشد والجذب بين الدول العظمى أو في مايسمى بصراع الأفيال، وصراع الأفيال يعني تحطيم كل بيوت الصغار والذين لاحول لهم ولاقوة في مقاومة هذا المد العاصف، صحيح أن التعاون السياسي غطى على الكثير من مجالات التعاون الأخرى خاصة في معالجة الإختلالات في العلاقات البينية بين الدول العربية والمتداخلة كأمر طبيعي ومنطقي مع قضية العرب المحورية القضية الفلسطينية أعني وأصرار إسرائيل على إستباحة الأراضي الفلسطينية.
لقد كان الصراع العربي الإسرائيلي وحرب الخليج الأولى والثانية واحداث اليمن وغيرها من القضايا التي استحوذت على اهتمامات البلدين باعتبارهما يضطلعان بقيادة دفة السفينة القومية وهي تبحر في هذا البحر اللجي ميممة شطر سواحل لم تظهر بعد عند خط الأفق.
لقد شكلت جامعة الدول العربية هاجسا لقيادة البلدين وأذ هما يسعيان لتطويرها وتفعيلها لتمسى قادرة على التناغم الإيجابي السريع والحاسم مع كل القضايا التي تؤرق العرب كل العرب، ولتغدو أكثر قدرة وحيوية على التعبير عن المواقف العربية وإستماتة الدفاع عنها في المحافل الدولية وبذات الصوت العالي وبذات النبرة الذي تخاطبنا به الكيانات والتكتلات المشابهة في العالم، كما يتطلع البلدين لقيام الجامعة العربية بدورها كاملا في تنمية وزيادة التبادل التجاري بين عواصم العرب تماما كالمنطقة الأوروبية وغيرها، وأن هذا التحدي الاقتصادي يجب أن يسمو ويتسامى فوق الخلافات السياسية التي أقعدت الأمة من اللحاق بركب الأمم المتقدمة والتي حققت أعلى معدلات التبادل التجاري وتحقيق المنافع الإقتصادية.
وفي إطار التعاون الثنائي المتفرد لم تغفل حكومتي البلدين تفعيل التعاون الثقافي بينهما عبر العديد من مجالات التعاون سواء بإقامة الفعاليات الثفافية أو الإعارات للمعلمين والمعلمات أو تبادل الخبرات في المجالات التعليمية والثقافية والفكرية.
واقعيا نجد أن العلاقات الإقتصادية بين البلدين في أفضل حالاتها ويتمثل ذلك في الإستثمارات المشتركة والتبادل التجاري الذي بلغ في عام 2021 أكثر من 200 مليون دولار، كما أن رؤوس الأموال المستثمرة بالسلطنة من قبل المستثمرين المصريين بلغت أكثر من 7 بلايين دولار تركزت خاصة في المجالات السياحية والصناعية.
بالطبع العلاقات العُمانية المصرية وعلى المستويات الشعبية والرسمية لا يمكن اختزالها في هذه العجالة البسيطة، إلا انه من الأهمية بمكان تسليط الأضواء عليها باعتبارها نموذجا لما ينبغي أن يكون في كيفية صياغة العلاقات بين الدول والحكومات العربية.
نأمل أن تشهد هذه العلاقات زخما كبيرا في السنوات القادمة وليتواكب مع ما يربطهما من روابط وثيقة ومواقف مشرفة اثتبت الأيام مدى نجاعتها وسلامة وسلاسة النهج الذي اختطته سلطنة عُمان في علاقتها مع مصر الشقيقة.