بقلم : علي المطاعني
على الرغم من تزايد القضايا الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن الأوضاع المعيشية المنبثقة من الواقع الحالي المعاش بظروفه المعروفة وما تلى ذلك من إرتفاع وتيرة المناشدات والمطالبات، إلا أنها وللأسف لم تجد آذانا صاغية، ولم تخضع هذه الظروف لدراسات علمية للوقوف على آثارها وإنعكاساتها على المدى الطويل، الأمر الذي أدى لإتساع الفجوة بين الحكومة والمجتمع وما يشكله ذلك من تاثيرات سلبية تتراكم بمرور الوقت وتتضخم وتنتفخ كالبالونات كلما زاد ضغط الهواء عليها، واقع يتطلب دراسة هذه الظاهرة من كافة الجوانب والتفكير في الحلول الكلية والجزئية لها على مستويات مختلفة سواء قطاعية أو مناطقية أوعلى مستوى الولايات، بل يتطلب توفر الموجه العام لما يجب عمله في المرحلة المقبلة.
في الواقع أن الهوة بين الحكومة والمجتمع تتسع بنحو غير مبشر مع غياب استراتيجيات المعالجات الجذرية للمشكلات التي يعاني منها المجتمع والتفكير الأحادي من جانب الجهات وعدم التكامل في إيجاد الحلول الناجعة وفي الوقت المناسب.
إن إتساع الفجوة بين المجتمع والحكومة يمكن التغلب عليها عبر توافر الإرادة الحقيقية ووجود المخطط العام لمتابعة التبعات الاجتماعية والاقتصادية وانعكاساتها على الفرد والمجتمع وتوفير الحلول والإقتراب من المجتمع أكثر من خلال تعزيز التواصل ورفع وتيرة التوعية بالتطورات الراهنة وفتح آفاق أوسع أمام معالجات شاملة لصالح الوطن وأبناءه، فالسكوت والإنكفاء عن مواجهة المشكلات ليس إلا هروبا لن يستمر طويلا، كما أنه مكلف جدا كما كان في الأزمات السابقة والتي يجب أن نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في تقنين وتأطير العلاقة بين الحكومة والمجتمع.
إن ما يتجسد في الواقع هو حالة من الإنفصام بين الجهات الحكومية على اختلافها وبين المجتمع، فلا أحد على ما يبدو مكترثا بما يجري أو إلى أين تتجه الأمور، فالتنظير اللفظي لا التأكيد الميداني من قبل الأجهزة الحكومية لم يعد مجديا، أو قد يوصلنا إلى حلول لم تقترن بالترجل مشيا هادئا على أرض الواقع والإقتراب من المجتمع ومعالجة مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية من خلال آليات عمل واضحة ودقيقة.
فإهمال أو إزدراء الحالة التي نشهدها في حد ذاته مشكلة كبيرة تعكس ضآلة الوعي بها أو أن الكل يحافظ على مكانته ووضعه الوظيفي ولا يستطيع أن يغامر بإفتحام وكر الحلول لحالة الإنفصام السائدة تلك، خوفا من لدغات الحيات السامة والتي سيفقد على اثر لدغتها وظيفته أو مكانته، علما بأن هذا الوكر به أيضا حيات غير سامة والعبرة تكمن بالطبع في حسن الإختيار العلمي المفضي للتفريق بين المفيد والضار، فمهفوم العمل في الجهات الحكومية هو (وظيفي) محض هكذا يؤمنون، فالكل يعمل على انتهاء دوامه كموظف بسلام أيا كان وضعه الوظيفي ولا يعمل ك (مسؤول) يسعى جاهدا ووفق طاقته وبما يمليه عليه ضميره الحي خدمة للبلاد والعباد وبما يحقق أهداف الدولة العليا.
على ذلك نجد أن الخطط والبرامج تراوح مكانها ولا تحدث أي أختراقات في مسار العمل الذي يعالج حالة الإنفصام وتجسير الهوة بين المجتمع والحكومة، لذا فإن إستمرار هذه الحالة سيكون باهظا وعلى أجهزة الدولة التفكير في ذلك مليا وعدم الركون للأوضاع التي رسمناها قاتمة بالكلمات.
إن تجزئة المشكلات ومعالجتها لامركزيا بالإستفادة من إمكانيات الولايات والمحافظات والمسؤولين فيها من شأنه أن يوفر معالجات كثيرة وقريبة من الواقع وبمشاركة واسعه من الفعاليات المجتمعية كأعضاء مجالس الدولة والشورى والبلدي والولاة والمحافظين مع مسؤولي الجهات الحكومية في المحافظات، فتفعيل مثل هذه الحلول الكامنة والأمنة أكثر سيجعل المجتمع يشارك بفعالية في توفير الحلول لمشكلاته، فتفعيل طاقة أكثر من 61 ولاية بكل العاملين فيها سوف يسهل من العمل على إيجاد الحلول والتفاعل مع المجتمع بهدف معالجة ما يواجهه من تحديات سواء على صعيد توفير فرص عمل أو حلول مجتمعية لقضايا إسكانية وإجتماعية وغيرها التي تخفف الأعباء الحياتية عن كاهل الكثير من الفئات في البلاد.
بالطبع هناك جهودا تبذل وفق الإمكانيات والصلاحيات المتاحة لأجهزة الدولة ولكنها ليست فعالة بالقدر الذي تتفوق فيه على ما يواجه المجتمع من مشكلات واوضاع صعبة مما يجعل الهوة تتسع أكثر وتتراكم التحديات مع مرور الوقت، وذلك بعد الإقرار بأنه ليس لدى الأجهزة الحكومية حلولا جاهزة معلبة ومبتكرة وقادرة على تصفير الصعاب وسحق التحديات بشكل جذري في الكثير من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والإقتراب من المجتمعات المحلية لفتح آفاقا أوسع وأرحب للأجيال الجديدة.
نأمل من الدولة بكل مؤسساتها أن تفتح عيونها وعقلها أكثر من أي وقت مضى، فالوقت ليس في صالحنا والمشكلات تتضخــــم بمرور الوقت، فمن الأهمية إذن ووفق كل المعطيات وجود حلول عملية واضحة وواقعية تسهم في حلحلة الكثير من المشكلات وتضييق الفجــــوة بين المجتمع والحكومة عبر التفاعل الإيجابي والسريع والحاسم مع القضايا التي تطفو على السطح.