نقص القضاة في سلك في القضائي!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/مارس/٢٠٢٢ ٠٨:٠٤ ص
نقص القضاة في سلك في القضائي!

بقلم: راشد المطاعني

على الرغم من الجهود التي يبذلها مجلس الشؤون الإدارية للقضاء لتطوير المنظومة القضائية في سلطنة عُمان ليواكب بذلك التطور التي يشهدها القضاء في دول العالم ويلبي متطلبات المجتمع في وجود جهاز قضائي ديناميكي ومتكامل، وليواكب وينسجم مع متطلبات رؤية عُمان 2040، غير إنه يواجه تحديات جمة إزاء تحقيق هذه التطلعات المشروعة، لعل من أهمها قلة الكوادر القضائية مقارنة بحجم العمل المتزايد عاماً بعد الآخر نتيجة للتأثيرات الإقتصادية والصحية المعروفة التي نعايشها كغيرنا من دول العالم، وانعكاسات ذلك الواقع في زيادة عدد القضايا والشكاوى وغيرها، الأمر الذي يتطلب إعطاء القضاء الصلاحية في تحديد متطلباته وكذلك سلطة التعيين والتوظيف في السلك القضائي بإعتباره سلطة مستقلة وقائمة بذاتها ولا تتبع للجهاز التنفيذي أو التشريعي كما نعلم.

إن النهوض بالقضاء يعني الكثير، ويعني إضافة روح الحيوية والفاعلية لكل مفاصل الدولة عندما يوقن الجميع بأن القضاء فاعل ومتماسك وناجز وقادر على البت في كل مايرفع إليه في أسرع وقت ممكن مع ما تتطلبه هذه الكفاءة من إرساء لكرسي العدل والعدالة، فعندما تسود العدالة يقع الأمن كأمر طبيعي، ويتفرغ الجميع للتجويد والإنجاز والإبداع والإبتكار بعد الركون لوجود ذلك القضاء المهاب الجانب والذي لايُظلم في ساحاته طالب حق وحقيقة.

مامن شك أن مجلس الشؤون الإدارية للقضاء يبذل جهودا كبيرة وخارقة لتطوير المنظومة القضائية في البلاد من خلال العديد من المبادرات والأعمال التي يقوم بها لتسهيل وتسريع منظومة التقاضي سواء من حيث إستحداث وتطوير التشريعات وتسريع وتيرة إجراءات التقاضي بإدخال التقنيات الحديثة وصولا لحوسبة كل مفاصل العمل القضائي، إضافة للتعاون مع أجهزة الدولة المختلفة لإيجاد الحلول لبعض القضايا كتراكم القضايا العمالية كما أوضحنا، إلا أن العائق الأكبر لتحقيق تلك الأمنيات هو حقيقة أن الكادر القضائي وفي مجمله لايزيد أفراده عن 293 قاضياً فقط لاغير في كل المحاكم بالسلطنة من إبتدائي وإستنئناف وعليا للآسف الشديد، ورغم ضآلة هذا العدد فهو في تناقص سنويا في مقابل إزدياد عدد القضايا نتيجة للظروف المحيطة بنا الآن، خاصة القضايا العمالية والتجارية، لنجد أن نصيب القاضي في السلطنة في عدد القضايا المرفوعة إليه هو الأعلى عالميا إذ يصل العدد إلى مايربو على الـ 200 قضية مقارنة مع بعض الدول التي لا تزيد عدد القضايا الموكلة للقاضي عن 50 قضية، ويفصل القاضي لدينا في 1000 قضية سنويا مقارنة مع 200 قضية فقط كمعدل عالمي.

هذا الضغط الكبير على القضاة هو السبب الرئيس بطبيعة الحال في تأخر البت والفصل في القضايا، وطبيعي جدا أن نجد بعض القضايا لها سنوات بالمحاكم بغير أن يصدر فيها حكم، وهذا بالطبع مخالف لما جاء في المادة (10) من قانون (تبسيط إجراءات التقاضي في شأن بعض المنازعات) الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (125/‏2020).

وبالقطع فإن التأخير في الفصل في القضايا له تأثيرات سالبة إقتصادية وإجتماعية، وإذا كنا كدولة نسعى جاهدين لجذب المستثمرين الجادين للدخول للسوق العُماني فإن أول مايسأل عنه المستثمر الأجنبي وقبل القدوم إلينا هو سؤال جوهري وضخم وخطير، ويقول:

كيف هو حال القضاء والقضاة، وماهي الفترة الزمنية التي يستغرها الفصل في المنازعات التجارية، وهذا هو الشق الذي يهمه كمستثمر، الإجابة بالطبع طاردة، ومن هنا نوقن كم هو هذا الأمر ملح وله توابع وإنعكاسات سالبة على دوران عجلة التنمية والإستثمار في البلاد.

صحيح أن مجلس الشؤون الإدارية للقضاء يكافح ويسعى قدر جهده وطاقته لزيادة عدد القضاء مع تزايد القضايا كعلاقة طردية منطقية، غير أن هذه الجهود تحتاج في الواقع لمؤازرة من الجهات ذات العلاقة بالقطاعين العام والخاص، من بعد التأكيد كما أسلفنا بأن القضاء سلطة قائمة بذاتها ويتعين عليه تحديد إحتياجاته بنفسه ووفقا لما يراه مناسبا، وذلك من بعد تمهيد الأرضية المناسبة له ليتخذ هكذا قرارات.

ونعلم يقينا أن المجلس يسعى لإيجاد الحلول الأنية والمستعجلة لمواكبة التطور في هذا المجال عالميا وإقليميا وقوميا وذلك من خلال المبادرات التقنية مثل القضاء الإلكتروني والمتنقل وغيرها من المبادرات الهادفة إلى التحول الرقمي، بيد أن كل ذلك مرتبط بالإعتمادات المالية وجاهزية الجهات الأخرى لرفد هذه التوجهات.

نأمل أن تلبى مطالب القضاء أيا كانت ومهما غلا ثمنها، فما يحققه أن هو أمسى مثاليا يفوق أضعاف مضاعفة ما أنفق عليه، فهو ببساطة يعنى أن الوطن يمضي قدما في الإتجاه الصحيح، وإنه سيغدو بعد ذلك واحة غناء يسعى كل مستثمر للدخول لأسواقنا بعد أن يتأكد أن القضاء شاهر سيف عدله فوق رؤوس الجميع.