أحمد الهاشمي يحول التحدي إلى فرصة !

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٦/يناير/٢٠٢٢ ٠٨:٣٧ ص
أحمد الهاشمي يحول التحدي إلى فرصة !

بقلم: علي المطاعني

لم يستسلم أحمد الهاشمي لظروف تسريحه من إحدى شركات النفط التي كان يعمل بها براتب 1800 ريال شهريا، ولم يأبه لما سببه ذلك القرار من إرباك في حياته العائلية وإلتزاماته الحياتية والأسرية، فسرعان ما أعمل الفكر وشحذ ملكة الإبداع الكامنة مابرحت في دواخله فتوصل لفكرة مشروع منزلي مع العائلة مستفيدا من خبرة والده وهو في العقد السادس من عمره وذلك في مجال إدارة المطابخ.

فكرة أحمد الهاشمي تمحورت في إنشاء مطبخ في المنزل بمشاركة أفراد العائلة المكونة من ثمانية أفراد، لتلبية طلبات الحفلات والأعراس وضيوف المناسبات المختلفة، ورويدا رويدا بدأ الهاشمي في تسلق عتبات سلم النجاح والمجد، إلى أن اضحى مشروع بوفيه (السعد) رقما ساطعا في سماوات ولايات جعلان في توفير أفضل وأجمل وأحلى الوجبات ولأعداد كبيرة تصل حتى 200 فرد وبكفاءة ميدانية وعملية عالية.

فنجاح يعد نموذجا يستحق التوقف عنده في مجال التشغيل الذاتي لأبنائنا في مواجهة ظروف الحياة، وفي الوقت ذاته تعد التجربة نقطة مضيئة في كيفية تجاوز تحديات سوق العمل من جانب آخر، والإعتماد على الذات من جوانب أخرى لا تقل أهمية في إظهار قدرات الشباب على تجاوز التحديات بصميمية لاتلين وبإرادة غير قابلة للإنحناء أو الإنكسار.

على ذلك يتعين علينا تشجيع هذه الفئات بكل السبل المتاحة سواء من قبل الجهات الحكومية أو المجتمع الكبير، فكلاهما معني بالإسهام في تعزيز ريادة الأعمال والتشغيل الذاتي سواء بتفضيل الشراء منهم، أو حتى مساندتهم حتى بالكلمة الطيبة والحانية والكفيلة برفع الروح المعنوية، وبذلك يتسنى لهم مواصلة مشوارهم في العمل الحر والتطور إلى الأفضل، فهذا هو السبيل الأوحد والقادر على الإرتقاء بمشاريع رواد الأعمال وفي ذات الوقت فإن الإزدهار في هذا المجال يعني تلقائيا القضاء على شبح البطالة قضاء مبرما.

الهاشمي الشاب هو الآن في العقد الثالث من العمر يعمل من الفجر إلى منتصف الليل لتلبية طلبات الزبائن الذين يسعون إليه زرافات ووحدانا لأنهم وجدوا لديه أطعمة فاخرة ومتنوعة وشهية وبديعة الطعم والرائحة ففضلوه على غيره، وهذا هو منطق السوق وروح المنافسة التي استوعبها الهاشمي بعد أن لبى كل متطلباتها ببشاشة ورحابة صدر.

العائلة وماشاء الله وزعت المهام فيما بينها فالوالد سخر خبرته في الإشراف على الأطعمة بدقة متناهية، والوالدة التي تجيد الطبخ أصلا ومن الصغر جادت بموهبتها فقدمت حلو المذاق وشهي الطعم والرائحة في كل الأصناف والأنواع، أما الشقيق سالم فقد إضطلع بمهام الدعم اللوجستي على أكمل وجه عبر كفاءة توصيل الطلبات وبالسرعة القصوى، إضافة لشراء مستلزمات المطبخ العائلي وأيضا رصد رغبات العملاء وتلبيتها كما ينبغي، أما أخواته الخريجات فقد وجدن في العمل مع أخيهن قمة الطموح والبديل الذي لايداني بدلا من اللهث خلف سراب الوظيفة في القطاعين العام والخاص، كما أن زوجته وزوجة أخيه كن على الوعد إزاء مساندة أزواجهن في أعداد الأطعمة وفقا لإهتماماتهن، كما يعملن في مجال التسويق الإلكتروني عبر وسائل التواصل الإجتماعي وتلقى الطلبات من العملاء إلكترونيا أو بنحو مباشر، وبما أن للنجاح طعم الشهد فقد أفاد أحمد بأن أخته خريجة الهندسة الكيمائية فضلت العمل معه ومع العائلة، وبلغة الحسابات فإن ما تحققه شهريا يفوق ما تتقاضاه في الوظيفة، إضافة إلى ما يوفره العمل الحر من أريحية وإستقلالية والتحرك بعيدا عن أغلال الوظيفية.

أحمد وظف خبرته السابقة في مجال النفط في إدارة المشروع وذلك بتقسيم العمل بين أفراد الأسرة الثمانية، ومن ثم العمل بروح الفريق الواحد في تناغم علمي فريد وبكفاءة عالية في إنجاز الأعمال في الوقت المحدد وبجودة عالية، وكل فرد يعود إليه الريع سخيا فيحتضنه بسعادة ورضا، فالتنظيم الداخلي للعمل حدد لكل واحد تخصص يضطلع به، فمنهم من يقوم بإعداد السلطات والمقبلات ومنهم من يقوم بإعداد الوجبات الرئيسية مثل الكبسات والهريس والبرياني واخرين إختصاصهم إعداد الحلويات والأطباق والمخبوزات مثل البسبوسة وغيرها في تكامل يشير إلى منظومة شديدة الدقة في إدارة العمل، وكيف أن تكاملها قد يصنع المعجزات ويتغلب على التحديات مهما كانت صعبة وعصية المراس، التجربة أكدت بالفعل أن الحياة مدرسة يتعلم منها الفرد ما يمكنه من المضي قدما بكل إرادة وعزيمة لا تعرف الكلل ولا الملل، كما أن التجربة تؤكد لنا بأن العمل في البلاد موجود ويمكن لأي فرد أن يعمل ويكسب ويتحرر من قيود الوظيفة وهو في عقر داره.

في المقابل لو أجرينا حسابا بسيطا للمبالغ التي وفرها الهاشمي وعائلته للدولة فإننا سنجد مفارقة عظيمة فلو إفترضنا أن راتب كل فرد 1000 ريال شهريا على مدى 30 عاما وهو العمر الإفتراضي الوظيفي وفق النظام الحالي، فإننا سنجد أن العائلة بأفرادها الثمانية تكلف 8.000 ريال شهريا، أي 96 ألف في السنة وإذا ضربنا ال 96 ألف في 30 عاما سنجد أن العائلة وفرت على الدولة 2 مليون و8.800 ريال. (مليونين وثمانمائة ألف ريال)

نتيجة تفرض علينا أن نفكر مليا في كيفية دعم وتنمية هذه الأعمال والنهوض بها وتعزيزها لما توفره من فرص عمل يمكن أن تستوعب أعدادا غير قليلة من أبناء الوطن وتوفر كذلك مبالغ طائلة على الدولة بقطاعات العمل المختلفة وتخفف من أعباء التوظيف واشكالياتها أضافة لتكريس مفهوم الإعتماد على الذات.

بالطبع الأعمال الحرة تواجه تحديات بيروقراطية وإجراءات وإلتزامات يتطلب أن يُنظر إليها بعين الإعتبار وتسهيل إجراءاتها وإضفاء المرونة في التعامل معها، وكذلك تمويل مثل هذه المشروعات بسخاء بعد أن أوضحنا العائد من الإستثمار فيها. كذلك على أصحاب أعمال الحرة تطوير آليات التعامل مع العملاء، وتجويد خدمة ما بعد البيع والوعي بأن العميل أو الزبون دائما على حق وإن كان على خطأ، والتعامل مع العملاء بقمة الذوق وبأدب جم، فالسمعة والصيت الحسن هو عنوان النجاح الأول لأي أسرة قررت إرتياد ريادة الأعمال كالهاشمي وأسرته الكريمة.

نأمل أن تكون هناك آليات أفضل في تعزيز ريادة الأعمال بأنواعها، وتشجيع العائلات على الإنخراط في أعمال حرة وتوفير مستلزماتها والأهم من كل ذلك دعم الجهات الرسمية ومن خلفها المجتمع بكل فئاته.