بقلم : علي المطاعني
في الوقت الذي تشجع فيه القيادة الحكيمة على العمل الحر، وتحفز العاملين فيه وتحث الجهات المعنية علي تقديم الدعم المادي والمعنوي وكل ما يمكن تقديمه للفئات العاملة على حسابها الخاص، نجد في المقابل وللأسف أن الجهات المعنية بالعمل البلدي تلاحق وتطارد الباعة المتجولين في أرزاقهم وتزيل أكشاكهم التقليدية بشكل تعسفي غير ملائم أن يحدث في البلاد وأمام مرأى الجميع وبالصور التي تنقل على حسابات التواصل الإجتماعية، وبقدر يستغيث معه الباعة حيث لا مغيث من هذه الإجراءات والممارسات الخاطئة التي تنتهجها أجهزة البلديات تحت ذرائع غير مستساغة مقترنة بعدم توفير البدائل الأخرى، الأمر الذي يبعث على الإستياء مصحوبا بالحزن إذ الجهات التي يجب أن تكون عونا وسندا وعضدا لهم أمست بغتة فرعونا عليهم.
بلاشك أن الجهود الخيرة المبذولة والحاثة على ممارسة الأعمال الحرة تجد إهتماما وتحفيزا من صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - كما هو واضح في خطاباته وتوجيهاته، المؤكدة على أهمية ريادة الأعمال وحتمية النهوض بها، فنجد في المقابل تناقضاً من أجهزة البلديات المختلفة إزاء ملاحقة الباعة المتجولين وإزالة الأكشاك عنوة وبدون أن تسعى لإيجاد البديل المناسب الذي يحافظ على المظهر العام وفق ما تصرح به.
هؤلاء الباعة الميامين أجبرتهم الفاقة والحاجة للبيع في الشوارع، علما بأنهم ولو سألناهم همسا نجدهم لايرغبون في أن يجدوا أنفسهم في هكذا وضع، اللهم إلا إذا كانوا مضطرين، وهم بالفعل كذلك، ونعلم أن المضطر لا مانع لديه في ركوب أمواج المستحيل من أجل الحصول على لقمة عيش كريمة تحفظ ماء وجهه وتمنعه من سؤال الناس أعطوه أو منعوه، تلك حقيقة مثلى يجب أن نقر بها بدءا.
وبالتالي علينا كمجتمع وكأجهزة بلديات تفهم هذه الحالات والنظر إليها بعين التقدير والثناء، فؤلاء الشباب عصاميون وشرفاء، وعلينا أن نشيد عاليا بالصميمية التي يملكونها إزاء إستعدادهم لتحمل كل تلك المشاق والصعاب من أجل أن يبقوا هكذا شرفاء مرفوعي الهامة والرأس، وبذلك علينا مساعدتهم لا مطاردتهم، تقديرهم لا توبيخهم، نحن أن فعلنا ذلك بحنو ومودة وإحترام، فذلك سيحفز فيهم ملكة الخيال الخصب المفضي للإبداع والتطوير والإرتقاء بأعمالهم وتحسينها وتجويدها، وفي ذلك صلاح وإصلاح لهم وللمجتمع الكبير، فكل عمل صغير لابد من أن يتطور إذا ما وجد الأرضية المناسبة.
في الدول الأخرى المتقدمة التي تعرف معنى ومغزى رعاية شبابها فإنها تحرص كل الحرص على مساعدة الباعة المتجولين بإقامة أكشاك خاصة لهم وبهم، مزودة بكل الخدمات والتسهيلات، لذلك نجدهم مبدعين ومسالمين وينظرون أبدا للمستقبل بعين ملؤها التفاؤل في غد أفضل وأرغد، وفي ظل رعاية كاملة من الجهات المختصة، وليس الحال كما هو لدينا للأسف.. علينا في مطلق الأحوال أن ندرك بأن هؤلاء الشباب كانوا في الأصل ينتظرون قطار الوظيفة ليقلهم إلى مدن الأحلام الوردية، وبما أنه تأخر عليهم، أو ربما أنه قد ألغى رحلاته، وحتى لايضيع العمر سدى، آلوا على أنفسهم الإنطلاق لرحاب العمل الحر، بعد أن نسوا القطار، تماما كما نسيهم هو، فارتادوا ريادة الأعمال وبالنحو الذي نرى، ففي هذه الحال ألا يجب علينا أن نقدر عاليا تفهمهم للوضع العام الذي تمر به البلاد وفي ظل الظروف المعروفة لنا جميعا، ألا يجب علينا وعلى كافة الجهات المعنية أن نهديهم باقات ورد كلما وجدناهم يتحدون لهيب الشمس في رابعة النهار؟.. وبذلك نرى أن على أجهزة البلديات في البلاد أن تنتهج فلسفة التشجيع والإهتمام وتنظيم العمل من خلال إيجاد أماكن لهؤلاء الباعة الشجعان، وإقامة أكشاك لهم بدلا من سياسة الملاحقات المتتالية والتي تعني قطع الأرزاق، وهو حكم قاس بكل المقاييس كما نعلم.
بالطبع فإن التنظيم المنشود والمرتجي يتمثل في وضعهم بأريحية في خارطة أهمية الإلتزام بالإشتراطات المنظمة من حيث التقيد بالأنشطة المرخصة لها وعدم مزاولة أي أنشطة غير مرخصة، وإن ذلك إن حدث يعد مخالفاً للأمر المحلي رقم (1/2006) بشأن وقاية الصحة العامة، كذلك إيضاح القرار الإداري رقم (55/2017)، وهم في الأصل لامانع لديهم في الإلتزام بهذه اللوائح إذ تمثل مصلحة الجميع.
نأمل من أجهزة البلديات أن تتعامل بحنو مع هؤلاء الشباب، فهم خيار من خيار، وأن تعمل جاهدة على مساعدتهم بشتى الوسائل، وتوجد لهم البديل الأفضل متى ماكان ذلك ممكنا ومتاحا.