الابتعاث ليس ترفاً !

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٨/أغسطس/٢٠٢١ ٠٨:١٤ ص
الابتعاث ليس ترفاً !

بقلم : علي المطاعني

نتفهم كل مبررات ترشيد الإنفاق في المرحلة الراهنة نظرا للأوضاع الإقتصادية المعروفة والتي تشهدها البلاد، إلا أن الإنفاق على التعليم بشكل عام والعالي على وجه الخصوص، ومنها البعثات الدراسية الخارجية لا يتعين المساس بها لما تشكله من أهمية كبيرة في النهوض بقدرات الوطن العلمية لتساهم في منظومة البناء والتعمير المتجددة ومواكبة للتطور الذي تشهده السلطنة ولعل من أهمها رؤية عُمان 2040.

فالتعليم وفق مفهومة الأحدث هو إستثمار قبل أن يكون تكلفة، فتقليص البعثات الخارجية الى 400 بعثة فقط، من 1650 بعثة ومنحة قبل عامين، ومن أكثر من 33000 مقعد للعام الأكاديمي 2021/‏2022، إلى 414 بعثة ومنحة فقط للبعثات الخارجية، أي مايقارب ال 1% مقارنة بالأعوام السابقة، وهي بالتالي مسألة تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر نسبة لإنعكاساتها السلبية على الجوانب التنموية والحياتية المستقبلية، كما أن طموحات الطلبة والطالبات الجادين في الآداء التعليمي عبر التفوق الذي اظهرته نتائج الدبلوم العام ستنخفض تلقائيا، كما ستهبط روح التنافس لمستويات متدنية في السنوات المقبلة مع هذا التعاطي قاتل الطموح.

ولا ينبغي أن نغفل في ظل هذا الوضع حقيقة أن تنويع المدارس الفكرية عبر دراسة أبناءنا خارج البلاد لينهلوا أيضا من تجارب تلك الدول في شتى ضروب العلوم الحديثة وإعادتها للوطن بصيغة أحدث بعد إضفاء النكهة العُمانية إليها، تلك فوائد لا تقدر بثمن بالطبع، فهذه القضية تحديدا أكبر وأعظم من أي مال وأن كثرت أصفاره الواقعة يمين الرقم.

والمتتبع لمنظومة الإبتعاث في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يجد أن هناك فارقا كبيرا وبونا شاسعا، ولعل برنامج الملك عبدالله بن العزيز للإبتعاث يقدم لنا أرقاما تستحق الإحترام إذ بلغ عدد الطلبة المبتعثين وفق إحصائيات عام 2018 أكثر من 195000 طالب وطالبة لتلبية رؤية السعودية 2030، وكذلك الدول الأخرى وذلك بهدف الارتقاء بالإقتصاد وتحديث نظم الحياة في تلك الدول وإضافة زخم التنوع في مجالات التخصص.

لقد حققت زيادة عدد المبتعثين في السنوات الفائتة للعديد من الجامعات العالمية المرموقة علميا تطورا إيجابيا في القطاعين العام والخاص وظهرت نتائجها في قيادة الكوادر الوطنية لمسارات العمل وإرتقى العديد من أبناءنا إلى مراتب عليا ليس في السلطنة فحسب وإنما حتى في الخارج فخريج من جامعات عالمية مرموقة كاكسفورد وكامبردج وهارفارد لايمكن مقارنتة بأي شكل من الأشكال بخريج من كليات أشبه بالهايبر ماركت للأسف.

والجدلية الأخرى التي تعزز أهمية الإبتعاث للجامعات المرموقة في العالم، هو مستويات جامعاتنا الحكومية والخاصة التي ما برحت تقبع في مراكر متأخرة علميا مقارنة بغيرها ‏من الجامعات فجامعة السلطان قابوس على سبيل المثال آخر مرتبة وصلت إليها 368QS من بين 1673 جامعة تم تحليلها حول العالم، بل أن بعض جامعاتنا وكلياتنا غير معترف بها دوليا ولا يمكن معادلة وتصديق شهاداتها في الدول الأخرى، ومازالت الجهود المبذولة للإرتقاء بالتعليم العالي دون المستوى المطلوب أكاديميا رغم وجود هيئة الإعتماد الأكاديمي والصرف عليها كما ينبغي طوال السنوات الماضية، إلا أنه لا يبدو أنها حققت نتائج إيجابية في مجال الإرتقاء بالتعليم العالي لجهة أن دابة الأرض التجارة أعني نخرت عظام التعليم العالي ولم يتبق غير لمسة يد حانية على ظهره لينكب على وجهه.

فاليوم بعض الشركات العالمية تفضل خريجي الجامعات الدولية المشهورة والتي لديها سمعة في المجالات الأكاديمية ولها الحق في ذلك، فضلا عن أن الإبتعاث سوف يسهم في أن يرتاد أبناءنا أسواق العمل الخارجية وأكتساب الخبرات والمهارات التي سيعود ريعها خيرا للوطن في نهاية المطاف.

البعض للأسف يربط التعليم والإبتعاث بفرص العمل، وهذا غير منطقي وخاطئ جملة وتفصيلا، فالطالب المؤهل من جامعات مرموقة يعد في حد ذاته رأس مال يمشي على قدمين، فهو إن هاجر فسيعود ماله للوطن، وإن عاد للوطن وحل بين ظهرانينا فهو خبير يعتد به في كل ولاياتنا ومحافظاتنا، تلك هي النظرة الأوسع والأشمل والتي يجب أن تسود.

نأمل أن تتم مراجعة منظومة الإبتعاث للخارج والإهتمام به بشكل أكبر باعتباره استثمارا جادا وليس ترفا أو تكلفة مالية فقط، فهو السبيل الوحيد للولوج للعالم الجديد والمتحضر والمهيمن على مجالات العلوم والإبتكار والإبداع، فليس اقل من أن نحاول اللحاق بذلك القطار الهادر عبر الإبتعاث وليس تقليصة بإعتباره ترفا.