الحراك الاجتماعي بين الحكمة والموعظة!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٤/يوليو/٢٠٢١ ٠٨:٢٠ ص
الحراك الاجتماعي بين الحكمة والموعظة!

بقلم : علي المطاعني

الحراك الإعلامي الاجتماعي لا يهدأ في الساحة المحلية يناقش بكل أريحية الشأن الوطني على إختلاف مجالاته ومشاربه و‏بسقوف عالية ومتباينة من حرية التعبير وإبداء الرأي بدون حدود أو قيود لذلك إلا الضمائر الحية للمتعاطيين مع هذا الحراك الايحابي، ونظرتهم للقضايا المطروحة للنقاش، وفق العديد من المعطيات والمنطلقات والثقافات والتأثيرات الإيجابية والسلبية لكل فئة.

فهذا الحراك الإجتماعي نحسبه صحيا لا يجب أن نتوجس منه خيفة أو نقلق من تناميه وتزايده في كل الأحوال في البلاد، فالكل له الحق في أن يدلي برأيه ووجهة نظره في شؤون بلاده وليست هناك وصاية على الرأي أو حجر على حرية التعبير إلا في المحظورات التي حددها النظام الأساسي للدولة بوضوح لا لبس فيه وتفرضها بعد ذلك الأعراف الإجتماعية السائدة والمتوارثة أبا عن جد.

الأمر الذي يبعث على الإرتياح لهذا التعاطي الإيجابي مع كل ما من شأنه ارساء دعائم المصلحة العامة في كل أرجاء الوطن العزيز

ومنسجما مع كل مكوناته على اختلاف مشاربه وتعدد اعراقه ومذاهبه ومعتقداته والتباين في توجهاته الإجتماعية، ومع هذا وفوق هذا يجب أن نكون أكثر توازنا في إبداء الراي وإحترام الذات والناي عن النظرة النرجسية الاحادية للأمور. والتعدي على الغير بالتهكم تارة والتنمر تارة أخرى، وعدم إقصاء الآخرين وتسفيه آراءهم والتهجم والتجريح لذواتهم وأسرهم، وذلك لكي نضمن استمرار الحوار والحراك الإجتماعي من كل الأطياف ومن كافة المستويات وبما يفيد الفرد والمجتمع ويحقق المصلحة العامة التي ننشدها في وطننا.

بلاشك أن تجدد النقاشات للقضايا المحلية والظواهر الإجتماعية والمبادرات النوعية ‏وغيرها مما يشغل الساحة المحلية بالسلب والإيجاب تعد ظاهرة صحية تعكس قوة المجتمع وتماسكه وتوسع الوعي بين أفراده، وهو ما يجب إستثماره بشكل أفضل في تطوير مسارات العمل في البلاد والقضاء على الظواهر السلبية ومعالجة القضايا الملحة، فتعدد الآراء من شأنه أن يبلور توجهات مرضية تلبي رغبات الجميع وتأخذ كل الآراء في الاعتبار إزاء تنفيذ مشروع هنا، ومبادرة هناك لمعالجة مشكلة تؤرق المجتمع.

فالنقد البناء والهادف سيظل مطلبا حيويا في اي مجتمع، ومنارة يهتدي بها الجميع، إلا أن هناك منغصات لهذا الحوار الاجتماعي الذي تطور في بلادنا من السبلة العمانية إلى وسائل الإعلام والآن قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي، تعمل على تغيير مسارات الحوار إلى متاهات أخرى وتخلط الأوراق بدواعي وأهداف كثيرة، وتشكك في الجهود المبذولة وتحبط الهمم وتثير المخاوف من أناس معروفين أو غير معرفين في وسائل التواصل الإجتماعية يدلفون للنقاشات المحلية بأسماء مستعارة بهدف إرباك الرأي العام والتاثير عليه.

هؤلاء لايجب أن نسمح لهم بالدخول والتدخل في الشأن المحلي تحت أي ظرف من الظروف.

فمن الأخطاء التي لوحظت في الفترة الفائتة إبتعاد المسؤولين عن الحوار الإجتماعي عبر المنصات وذلك بعد أن تعرضوا للكثير من الإنتقادات السلبية والتعدي على شخوصهم والتعرض لعائلاتهم، لذلك آثروا الإنزواء بعيدا وعدم المشاركة وبذلك نكون قد خسرنا خبرات وقدرات وطنية لايستهان بها كان يجب أن نحاورها في الأمور التي تقع في مجالات عملها وتحت دائرة اختصاصها ونستمع لهم ونحاورهم بأدب واحترام مصداقا لقوله تعالى في الآية 125 من سورة النحل (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).. صدق الله العظيم.

وهناك جانب آخر يجب أن ننتبه إليه في تعاطينا مع وسائل التواصل الإجتماعية، وهي أنها أصبحت تشن من خلالها حروبا مستعرة بين بعض الدول أو العصابات مستهدفة خلخلة المجتمعات من الداخل عبر العديد من الممارسات كالتدخل في الشأن الداخلي للشعوب كحق يراد به باطل، وزعزعة ثقة الشباب في أوطانهم

واتباع وسائل وأساليب دعائية رمادية اللون، جميعها أساليب يجب أن نكون على يقظة عالية تجاهها ومن ما تروم تحقيقة وإذ هي تخلط السم بالعسل كشراب يفضي إلى الجنة.

بالطبع نتفهم الكثير من الضغوط والظروف التي تشكل عصارة الحوار الإجتماعي في منصات التواصل وغيرها وتأثيراتها على مستويات النقاشات الإيجابية والسلبية، لكن يجب أن نعي جيدا ان ذلك لن يفضي إلى نتيجة إيجابية إذا لم تقترن الآراء المتزنة والعقلانية بمقترحات إيجابية يمكن أن يؤخذ بها ومن ثم تنزيلها لأرض الواقع..

نأمل أن تستمر الحوارات الإجتماعية وتتسع ساحاتها في كل ما يهم هذا الوطن وابناءه ويحقق المصلحة العامة، متسلحين باخلاقياتنا وقيمنا الدينية والإجتماعية في اي نقاشات افتراضية وحية ومهما كانت اختلافاتنا مع أو ضد ما يطرح، فالإختلاف في الراي لا يفسد للود قضية ولا يمكن أن نحل قضايا أو معالجتها بالصراخ وتخوين الآخرين والتهكم على الغير، وعلينا أن نتذكر دائما قوله تعالى في الآية 18 من سورة ق (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)

صدق الله العظيم.