المضحك والمبكي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/يونيو/٢٠٢١ ٠٨:٣٦ ص
المضحك والمبكي

بقلم: محمد بن علي البلوشي

هذا زمن عجيب جدا في ضجته. يصنع هذه الضجة الناس من الجهلاء والحاملين لوهم الحقيقة وما اكثرهم بحيث أصبحت أصواتهم تعلو على زمن العقل والعقلاء. وحينما كان الزمن صغيرا قبل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي كان من الممكن أن تسمع للعقلاء فقط. تختارهم مكانيا وتحظى برفقتهم وتأنس لزيارة مجالسهم.أما الآن فالجهل الجديد يزورك بين يديك يطرق بابك دون استئذان..ووسط هذا الطوفان العظيم من الأصوات تضيع الحكمة وتتلاشى المعرفة فيتصدر الفكر السطحي كسهولة تقشير برتقالة المشهد من الشرق إلى الغرب ومن كل اتجاهات الدنيا.نسمع العجب العجاب ما يقشعر له العقل وفروة الرأس.كيف فرض علينا هذا الزمن قواعده وتقاليده الجديدة عبر هذه الأدوات التي غيبت المنطق وهناك من يتلذذ بتغييبها املا بالسيطرة على العقول.. قبل أيام توجهت إلى مركز التطعيم لأخذ الجرعة الأولى..لقد سلمت نفسي لهذا اللقاح العجيب الذي أنتجته كبريات الشركات العالمية للبشرية بعد أبحاث طويلة للوصول إلى المصل الفاعل ضد الفيروس..هذه اللقاحات في الواقع أحد نتاجات هذه الحضارة التي نعيشها اليوم..هي الحضارة التي لازال البعض يكيل لها الشتائم واللعنات ويعيش في وهم في الماضي والغياب والظلام..حكايات راودتني بعد أن اخذت جرعة التطعيم فتذكرت من يرفض أخذ الدواء خوفا منه ومن الموت. فلم يكن من الجهات المختصة سواء هنا أو في مكان اخر أن تلجأ للمشاهير والمؤثرين لتشجيع الناس على أخذ التطعيم وطرد الوساوس المتعلقة به. عن كورونا بات الكل يصدح برأيه عن حقيقته..إن كل شخص له الحرية في اعتقاده وتفكيره لكن اطلاق الأحكام الجاهلة ستؤثر على الاخرين والإستماتة في الدفاع عن الرأي الكاذب هو الجهل والحمق بعينه.هذه طبخة ليست مقتصرة على أقاليمنا بل تنتشر كذلك في العالم الثالث الذي نحن جزء منه بل وحتى في العالم الأول والمتقدم ومع ذلك لا أحد ينافسنا في الجهل..تذكرت امرأة ادعت أن كورونا مؤامرة يهودية خبيثة للقضاء علينا ولم تتوقف المؤامرة عن ذلك بل أن الشركات المصنعة للعقار المضاد للمرض سخرت قدراتها واموالها ومختبراتها وعلماءها وباحثيها لاختراع مصل يحشر في دمنا لتضييع نقائنا وهنا لابد أن نتوقف كما ادعت تلك المرأة عن أخذه. امرأة متعلمة لاقت التصفيق والاستماع ووفرت لها الميكروفونات ليسمع الناس الحقيقة كما أدعت..لم تتحدث عن رأي بل أصدرت حكما فزعمت أن اللقاح خبث يهودي وسموم المراد منها حقن أجسادنا وتلويث نقائنا وطهرنا.المرأة عبرت عن تفكير يسيطر على جمع من العموم لايستهان به بعد أن علت أصوات تتحدث عن مؤامرة كورونا العالمية.لكن المشكلة أن اليهود كذلك والعالم بأكمله يأخذ هذه اللقاحات لحفظ النفس من هذا الوباء المدمر الذي يمكن أن يسحق الحياة البشرية مالم نتصد له. فآخر إحصائية حتى أمس تتحدث عن إعطاء 2.86 بليون جرعة من لقاحات كورونا على مستوى العالم حتى الآن لكن أختنا المصون تتحدث عن المؤامرة هنا في هذا الإقليم. ليست هذه المرأة هي الوحيدة الغاضبة من اللقاح اليهودي فلربما بعد أن أفحمتنا بالحقيقة ونفضت الغبار عن عقولنا هناك من لايقبل الصمت فلابد أن يكون له رأي في هذا الهيجان الذي يخلفه كورونا وخشبة المسرح لايمكن أن تخلو من الشخصيات طالما أن القصة مستمرة ولم يسدل ستار خاتمتها. وهنا تخرج أصوات من الشرق والغرب كذلك لتذكر العالم بأن الوباء لعنة إلهية على ما يحدث في الكرة الأرضية. لعنة كما يبدو بدأت على الصين أولا.. لماذا لربما لأكلهم الخفافيش والصراصير والكلاب ثم انتشرت هذه اللعنة إلى بقاع الدنيا..ولربما أصابنا هنا بسبب الغضب الإلهي من المعاصي. فكان كورونا نتيجة حتمية لهذا الغضب..هؤلا مابرحوا يذكروننا عند كل دورة وظاهرة مناخية وطبيعية بالتذكير بالغضب..مع تناسي قوانين الطبيعية..وأتساءل ولماذا لا يكون فيروسا كمثل الفيروسات. لماذا تأويل الأسباب الطبيعية..حتى تضيع أجيالنا في دائرة من الشكوك. أنار شخص يدعى توماس اديسون الدنيا بالنور والضياء وبفضله تطورت الكهرباء والمصباح الكهربائي وتنعم البشرية باختراعاته التي تجاوزت تطوير المصباح والشبكة الكهربائية.. كان ذلك نتيجة للمعرفة والعلم والتفكير..ومااحوجنا اليوم إلى «غربلة» وتحديث في مناهج التدريس بمدارسنا لتعيد لنا العقل القائم على التفكير والبحث وحرية النقد والتخلص من كل مايقيد العقل فتلك الأمثلة هي نتاج مانعاني منه وأخشى أن ينتد لاجيالنا الحالية والمقبلة.ثم نتساءل:أين شأننا في الحضارة اليوم التي في اوج ازدهارها وعطائها والبقية تأتي والجواب:أعيدوا العقل إلى المدارس والمناهج ونظفوها من الشوائب.المجتمع لاينظف شوائبه تلقائيا.