إذا قالت "أم غيث" فصدقوها

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٦/يونيو/٢٠٢١ ١٢:١٩ م
إذا قالت "أم غيث" فصدقوها

بقلم: خالد عرابي

يقول المثل العربي: " إذا قالت حذام فصدقوها، فإن القول ما قالت حذام" .. وأنا أقول اليوم: "إذا قالت أم غيث فصدقوها" وهنا فإن "أم غيث" امرأة عادية كتبت مؤخرا على بعض وسائل التواصل الاجتماعي تقول: "بعد 11 سنة من الآن ديروا بالكم تروحون تتعالجون عند أي دكتور متخرج جديد .. هاذيله مب دكاترة .. هاذيله عيالنا اللي سوينا لهم البحوث وحلينا لهم الامتحانات وحضرنا مكانهم on line . "

وهنا نقلت تغريدة أم غيث وقد التزمتُ بنقلها حرفيا، كما لم أجزم إذا كانت هذه التغريدة لأم غيث هذه نفسها ، أو تناقلتها عن أخرى ، لأننا في هذه الأيام وفي ظل زمن "السوشيال ميديا" أو "وسائل التواصل الاجتماعي" اختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعلم من صاحب ماذا؟! .. وأصبح البعض يأخذ كتابات ومقولات الآخرين وفي كثير من الأحيان يكتبها ويترك الأمر مفتوحا حتى يفهم من يقرأ وكأنه من كتبها ، أو قد ينسبها لنفسه عادى ، وإن كان لديه أمانة علمية في النقل فإنه يأتي في نهاية الكتابة ويكتب كلمة "منقول" لأنه يعرف أنه في كثير من الأحيان قد لا ينتهي القاريء من قراءة النص خاصة إذا كان طويلا وبالتالي لن يظن أنه منقولا .

عموما ما يعنينا من هذا الأمر هو التغريدة أو المقولة وما تحملة من معانى ، فهي يفهم منها وفي أبسط معانيها أن الجيل الجديد من ابناءنا سيكون مشكلة كبيرة و ربما - لا قدر الله- وبالا علينا ، فأنَا توجهنا لهم بعد 11 سنة ، وهنا يبدو أن الكاتبة لديها ابن في سن دراسي معين ، وحسبت الأمر بناء على سنه وسنة دراسته وكم يتبقي له من التعليم الأساسي ثم الجامعي والتخرج ومن ثم العمل، وبحسب اختيارها "11 سنة" يكون هذا الابن تقريبا في الصف الثاني من المرحلة الإعدادية على أساس حسابي بأنها قالت "دكاترة" وهي تطلق في العامية مباشرة على الأطباء ، وكما هو معروف فإن الدراسة في كليات الطب سبع سنوات ، وقبلها ثلاث سنوات للثانوية العامة و لنقل سنة للصف الثالث الإعدادي ..

وبالعودة والتأمل مرة ثانية وربما ثالثة لما حملته التغريدة التي كتبتها أو نقلتها "أم غيث" نجد أن ما قالته أو نقلته صحيح مائة بالمائة ، لماذا؟ لأنه وبكل أسف فإن كثير من الأسر ومن أباء أو أمهات تساهلن أو استسهلن الأمر كما قالت وقاموا في ظل التعليم عن بعد وعبر برنامج "زوووم" خلال أزمة كورونا بالحضور بدلا من ابناءهم ، وقاموا بعمل البحوث بدلا منهم ، بل ووصل بالبعض الأمر فعليا بإجابة الامتحانات نيابة عنهم (أي عن ابناءهم) .. وفي كل ذلك يعتقدون أنها شطارة أو إنجاز أو أنها فرصة لحصول ابنهم على أعلى الدرجات ، أو أنها الفرصة التي لم تتح لهم من قبل كورونا.. ولكنهم نسوا أو تناسوا أن هذا غش خداع وزيف وتزييف وضل وضلال، وأنهم بفعلتهم هذه يعلمون ويؤصلون ويحللون لابناءهم كل هذه الأشياء السيئة ..

هؤلاء.. من فعلوا ذلك نسوا أو تناسوا أنهم حينما قاموا بذلك بدلا من ابناءهم للحصول على درجات أعلى فإنهم سيكونون سببا في خروج جيل جديد من شبابنا غير متعلم وجاهل ، لأنه ليس هو من حضر الدروس ، ولا هو من قام بعمل البحوث، ولا هو من أجاب على أسئلة الامتحانات .. وفي المحصلة فإننا نعلم أن العلم مترابط ومبني على بعضه وأنه حلقات يفضي بعضها إلى الأخرى ..

قالت إحدى الزوجات تحكي في أحد البرامج التلفزيزنية كيف أن ابنها ذكي وكيف أن الجيل الجديد أكثر ذكاءا من جيلنا، وأن ابنها - ما شاء الله- أحرجها بذكائه وذلك حينما قال لها: "ماما لماذا أنت تجيبين الامتحان بدلا مني .. ألست أنت من قلت لي أن الغش حرام" وأكملت أنها كانت في موقف محرج ولا تدري كيف تجيبه .. وهنا أقول لها ولأمثالها: هذه هي الحقيقة الواضحة التي لا تقبل الشك .. فكيف أننا من نعلم ابناءنا القيم ونعود لنناقض أنفسنا ونجعلهم يفعلون العكس من غش وخداع وزيف؟! .. وكيف إذا كانت هذه المرأة تعرف وتدرك مستوى ذكاء ابنها وهي في ذات الوقت من تقتل هذا الذكاء ، لأنها بدلا من أن تشجعه على المذاكرة والتعلم والجد والاجتهاد ، تقوم بالإجابة بدلا منها لتعلمه الكسل والتخاذل وعدم الحرص على العلم والتعلم .

ولكن وجب على أن أشير هنا أننا لا نعمم ما سبق ، فكما أن هناك من حضروا وعملوا البحوث وأجابوا نيابة عن ابنائهم في الامتحانات ، هناك العكس تماما أي من لم يفعلوا ذلك ، وإنما وقفوا بجانب ابناءهم ليساندوهم ويحثونهم على الجهد والاجتهاد والمذاكرة ، وهنا علي أن أوجه تحية أجلال واحترام وتقدير لهؤلاء المحترمين الأقوياء الذين لم تغلبهم شهوتهم للحاجة إلى تفوق ابناءهم عن طريق الغش والخداع ، ولم يقوموا بالحضور بدلا من ابناءهم أو عمل الابحاث بدلا منهم ولا بالإجابة نيابة عنهم .. وهذا يؤكد ليس كل الناس ضعافي نفوس وتساهلوا ونسوا أو تناسوا وإنما فكما أن هناك فئة هكذا هناك أخرون محافظون ملتزمون .. وهكذا هي الحياة ، يوجد الطريقان فاختر لنفسك ولابناءك ما شئت.

ونعود لقصة المثل العربي: "إذا قالت حذام فصدقوها" ترجع القصة إلى امرأة تدعى حذام، وبحسب المراجع الأدبية: "هي امرأة لرجل يدعى لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وهي حذام بنت الريان بن خسر بن تميم، وكانت امرأة شديدة الذكاء، واسعة الحيلة، تصيب الرأي إن قالت، وتظن الأمر فيأتي كما توقعت، فكان زوجها لجيم يثق في حدسها وقوة إدراكها .

وبحسب موقع "البيان" الإماراتية: "يحكى أن عاطس بن الحلاج بن الحميري وقعت بينه وبين قومها فتنة، فصار إليهم في جموع كثيرة العدد، واقتتلوا، ففر قومها هاربين ورجع الحميري إلى معسكره، فسار قوم حذام ليلتهم ويومهم إلى الغد، واستقروا في الليلة الثانية . فلما أصبح الحميري ورأى آثارهم، اتبعهم، فانتبه القطا من وقع دوابهم، والقطا هو نوع من الطيور .. مرت على قوم حذامِ قطَعا قطعا، والعرب معروفة بالفطنة، واستنباط الأخبار من تصرفات الحيوان، فخرجت حذام إلى قومها فقالت: (ألا يا قَومنا ارتحلوا وسيروا .. فَلو ترك القَطا لَيلا لَناما)، فقال زوجها الشاعر لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل: (إِذَا قَالَت حذامِ فَصدقوهَا .. فإِن القَول ما قَالت حذام)، فارتحلوا حتى اعتصموا بالجبل، ويئس منهم أصحاب عاطس فرجعوا من حيث جاؤوا، وهكذا نجا قومها من شر الحميري وجماعته، بسبب ذكائها، وفطنتها.

والعبرة من المثل أن يقال هذا فيمن نثق في صحة رأيهم، و نرى أن قولهم هو القول الفصل؛ لما لهم من رجاحة في العقل، والفطنة، فكل مبصر للأمور، هو حذام، وكل صادق في الحدس هو حذام، وكل سديد في القول حذام، فهذا الاسم ارتبط لدينا بالصدق في القول" .