نزّل تطبيق المياه!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٨/يونيو/٢٠٢١ ٠٨:٤١ ص
نزّل تطبيق المياه!

بقلم : علي المطاعني

اتصلت بمركز الاتصال الشركة العمانية للمياه و الصرف الصحي على الرقم 1442، للاستفسار عن الفواتير، إلا أنّ الموظفة التي أعطيتها رقم العداد لم تتمالك صبرها حتى أكمل استفساري وطلبي، فسرعان ما بادرتني بعبارة: «نزّل التطبيق» بدون أن تعرف مشكلتي، أو ما أرغب فيه، فقلت لها هل هذه خدمة المشتركين التي تعلمتيها لتكوني في سدة مركز الاتصالcall center.. وهل عرفتِ مشكلتي لدرجة أن تنصحيني بإنزال التطبيق في الهاتف؟ فردّت بأنّها ليست معنية بالفواتير وإنما بخدمات قطع المياه فقط، فقلت لها: لكن خيارات الخدمة موجودة للاستفسار عن الفواتير التي طلبتها، فكيف لك أن تقولي ذلك؟ وكيف للشركة ألا تُنبّه المشتركين بأنّ خدمة استفسار الفواتير متوقّفة أو غير متوفّرة لكي تحترم المشترك على الأقل؟!.

وفي نهاية المطاف قلت لها يجب عليك ألا تردي على المشترك بهذا الرد المجحف لأي استفسار؛ وإنما عليك أن تقومي بالواجب الذي يمليه عليك ضميرك في العمل وأداؤك الذي تتقاضين عنه أجرا شهريا، وأن تعكسي بدورك سمعة شركة المياه (الجديدة) التي تعملين بها.. إلى غير ذلك، ولك في ما بعد أن تقولي: يمكنك أن تنزل التطبيق إذا رغبت كخيار للاطلاع على الفواتير وسداد قيمتها ومراقبة استهلاكك في الفترات المقبلة.

إنّ ما سبق يدفعنا للقول بأنّ على شركات المياه والكهرباء والاتصالات والبنوك وكل الشركات التي تعمل في مجال الخدمات العامة أن تُطوِّر خدمات العملاء لديها بشكل جذري لاستيعاب طلبات واستفسارات المشتركين بكل رحابة صدرٍ وبشاشةٍ وأن يكون ديدنهم الكلمة الحلوة التي تُخجل المشتركين، هذا بجانب تأهيل الموظفين في الصفوف الأمامية العاملين على استقبال العملاء كجزء من استحقاقات التطوير لهذه الخدمات بشكل يتناسب مع التطور في خدمة العملاء في عالم اليوم.

ومنذ سنوات طويلة كتبت تحقيقا صحفيا عن الاستعلامات الاتصالات آنذاك 198 وكان على ما أذكر تحت عنوان «مِنْ أرجو الانتظار إلى إغلاق الهاتف في وجه المتصل» على أمل أن تتطور خدمات مراكز الاتصالات في السلطنة من جانب مقدمي الخدمات العامة، لكن للأسف منذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة تم القليل في هذا المجال؛ وربما يرجع ذلك إلى عدم قناعة مُقدمي الخدمات أنفسهم بهذه الخدمة، وعدم اليقين بها كخدمة مُهمّة يمكن أن تُبهج نفوس المتصلين، فضلا عن ضعف المنافسة في هذه الخدمات التي تقدم من شركة واحدة، ناهيك عن أنّ الموظف يعمل لتحصيل راتبه فحسب وقضاء 8 ساعات في العمل بدون أن يُقدّم رسالةً أو خدمةً لعملائه يُحلِّل بها راتبه، فهناك الكثير من الأسباب التي يجب أن تبحثها الشركات لتطوير مراكز الاتصالات التي تُعدّ الواجهة الرئيسية لأي خدمة وبوابة لرضاء المستهلك.

يجب أن تشهد خدمات مراكز الاتصالات تطويرا جذريا يواكب المرحلة يبدأ من اختيار الموظفة أو الموظف الذي لديه بشاشة في الوجه وسلاسة في اللسان ورحابة في الصدر وأفق أوسع، إضافة إلى الذهنية المتوقّدة لخدمة الآخرين والسلوك الرائع؛ بحيث يخضع كل من يرغب في العمل بمراكز الاتصالات إلى اختبارات سلوكيّة عميقة ومهارات التعامل مع العملاء، فضلا عن خلفيّته قبل كل شيء وطبيعته كشخص؛ فهذه الجوانب يجب أن يتحلى بها كل شخص يرغب في العمل بمراكز الاتصالات وخدمات المشتركين.

لكن للأسف الشديد قليل ممن يرد عليك في هذه المراكز والخدمات تتمتع بهذه الصفات، بل العكس تجده لا يطيق اتصالك، ويرغب في إنهاء المكالمة بأسرع وقت ممكن ولا يتحمّل أي استفسار، فالعبارات الجاهزة لديهم «نزّل التطبيق».

يبدو أنّ لمقدمي الخدمات أهداف كثيرة من عبارة «نزّل التطبيق» منها إبقاء المشترك مع الشركة المقدمة للخدمة في المقام الأول، وتقليل الاتصالات والاستفسارات، وعدم قابليّة الرد على المُستهلك، إلى غير ذلك من أهداف، لكن قبل أن يطالب موظفو مراكز الاتصالات بتنزيل التطبيق يجب أن يعرفوا مشكلة المُتصل ومحاولة الرد عليه بسعة صدر وصبر، وإرشاده إلى ما يجب؛ وبعد ذلك يُطلب منه أن يُنزل التطبيق إذا رغب، ولا يجب أن يرد بها في أول كلمة؛ وكأنّه لا يُريدك أن تتصل به.

فاليوم هواتفنا مملوءة بالتطبيقات ومثقلة بأحجامها، كل واحد وضع تطبيقًا يرسل عبارة «نزّل التطبيق» وكل شركة عملت خدمة تشيّر لك «نزّل التطبيق»، فانقلبت حياتنا بقدرة قادر إلى تطبيقات إلكترونية، أينما نحل ونرحل ونجلس؛ نسمع هذه العبارات.

إنّ التطوّر مطلوب والتقنيات الحديثة ضرورة مهمة لمواكبة كل جديد لكن لا يجب أن ينسينا ذلك قيمنا وأعرافنا في التعامل مع الآخرين وأسلوبنا في التحية والاستقبال كعادات متوارثة؛ هذه أساسيات الحياة التي تعكس حضارية الفرد، بعد ذلك تأتي التطبيقات، فلا يمكن أن نرد على المتصل قبل معرفة مشكلته بأنّ عليه أن ينزل التطبيقات.

فلا يكتفي الكول سنتر بطول فترة الانتظار حتى الرد «بالنغمة» على الاتصال، والرد الصوتي الآلي لتوجيه العملاء وتلاوة التعليمات لكي يتبعها المتصل واختيار الخدمات وإنما يبادرك بردود غير إيجابية ويشتط البعض غضبا، أو يقابلك برد غير ملائم بأن يقول: «نزّل التطبيق».

بل إنّه بعد الانتهاء من المكالمة الصوتية يفترض من مركز الخدمة أن يتبعها برسالة قصيرة يشكر المتصل فيها على اتصاله، أو ببريد إلكتروني واستفساره كنوع من توطيد العلاقة.

إن أيّ متصل على مركز الاتصال لديه مشكلة يبحث عن حلٍ لها، أو الاستفسار حول دفع مبلغ ما ربما يراه كبيرا أو معضلة تحتاج إلى توجيه من الشركة؛ وهو ما يجب أنّ يعيه الإخوة العاملون وكذلك الشركات في تعاطيها مع العملاء.

فاليوم مراكز الاتصالات الدوليّة تعمل بكفاءة في الاتصال بالعملاء للتسويق والتواصل لخدمات أخرى، وتراهم يخجلونك بدماثة أخلاقهم وأسلوبهم الراقي في التعامل مع المشتركين، ونتطلع لأن نرى ذلك حاضرا في شركاتنا، وليس كما هو حاصل الآن.

يجب على الشركات أن تتعلم من شكاوى العملاء لتطوير خدماتها وأسلوب عملها. فبيل جيتس يقول: «العملاء غير السعيدين هم أفضل مصدر لديك للتعلم، فمن خلال هذه المراكز يمكن للشركة أن تستقطب الكثير من العملاء وتحقق الرضا عنها. بل إنّ ما يمكن أن يميّز شركة من أخرى هو مركز الاتصال وخدمة العملاء، ويمكن القول إنّ خدمةcall Center في مرافق (خدمات المياه والكهربا) هي الخدمة الوحيدة التي يمكن أن يلجأ إليها المشترك في أوقات صعبة؛ فإذا لم يقدم الموظف خدمة جيدة فما الذي يمكن أن يفعله العميل؟.

بالطبع لا نعمم على الجميع، فهناك من لديه أخلاقيات وقيم ويرحِّب بالمتصل؛ لكنّ الأغلبية يطلبون من أول اتصال أو محادثة تنزيل التطبيقات. وهذا الأمر يتطلب المعالجة بحيث لا يكون الخيار الأول وإنّما العرض الأخير في خاتمة المحادثة التي يفترض أن تبدأ بالترحيب والتعامل الراقي مع المتصل.

نأمل من شركات الخدمة؛ وخاصة المياه والكهرباء وكل الشركات التي لديها خدمة عامة أن تغيّر فلسفة مراكز الاتصالات والمشتركين إلى ما هو أفضل، والتركيز على جزيئات قد تبهج المتصل بخدماتكم، وتفرض احترام قيم المجتمع وعاداته في التعامل قبل كل شيء؛ فتنزيل التطبيقات وسيلة لاغاية، وخدمة العميل هي الأساس.