بقلم : علي المطاعني
يقول المثل «إذا عُرف السبب بطل العجب» فعندما نعرف الأسباب التي دعت الحكومة إلى اتخاذ إجراءات مالية لضبط الإنفاق لزيادة الإيرادات؛ فإن هناك ما يدعو لذلك فعلا؛ فترك الأمر بدون إجراءات فاعلة يهدد مكانة الدولة المالية دون ريب، وذلك يفضي لاهتزاز مكانتنا الاقتصادية والسياسية شاهقة العلو بين الأمم والشعوب؛ تلك هي الحقيقة المثلى التي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا أبدا.
ولعلّ إعلان وزارة المالية أنّ العجز في شهر يناير 2021 فقط بلغ أكثر من أكثر من 370 مليون ريال، على الرغم من خطوات التقشّف التي تتبعها الدولة، والرقم المشار إليه دليل ناطق على ما يتعيّن علينا عمله ومضاعفة الجهد السابق بغرض تحقيق التوازن المنشود بين الإنفاق والإيرادات وهو ما يطلق عليه ميزانية (بدون عجز مالي)، وذلك ما نأمل في تحقيقه عام 2025 إن شاء الله، ويتطلب منّا تفهم الإجراءات التقشفيّة التي تتخذها الحكومة لتحقيق أهداف تهم كل مواطن في نهاية المطاف باعتباره جزءًا لا يتجزأ من هذا الوطن العزيز، ويهمه كأمر حتمي وطبيعي سمعة وطنه ومستقبل أجياله القادمة لتعيش بدون تراكمات مؤلمة للديون تحرمها من حقها في حياة رغدة وكريمة.
لاشك أنّ الشفافية التي انتهجتها وزارة المالية في إيضاحها للأوضاع المالية بالبلاد يعد نهجًا في قمة المسؤولية؛ إذ هي وضعت كل الأمور على الطاولة المستديرة ليراها الجميع كما هي واضحة وجلية.
فالإعلان عن الإيرادات والإنفاق لم يعد سرا ولا سنوياً فقط، وإنما بنحو شهري، تُعرَض خلاله كل البيانات والحقائق ليقف الجميع على الواقع بكل تداعياته وتحدياته وآماله، وتطلعاته، كجزء من الاستحقاقات التي يجب أن يعمل الجميع على تقديم مقترحات إزاءها، وأنّ الأمر ليس رهنا بجهة أو وزارة أو حكومة، وإنّما الجميع مسؤول مسؤولية تضامنية مع هذه التحديات لنخرج بمعيّة الوطن سالمين لبر الأمان.
وذلك لن يتأتي إلا بالمزيد من التضحيات والصبر على الأوجاع واحتمال آهات التقشّف، ومن ثمّ التكيّف مع الأوضاع زرافات ووحدانا وليتسنى لنا تخفيف الأعباء عن بعضنا البعض وإذ نحن جميعا متلاحمين ومتحدين في مصفوفة الصبر الجميل؛ ذلك هو مجتمعنا العُماني الذي نعرفه في أوقات الملمّات .
لقد سجلت الميزانية العامة للدولة انخفاضا في الإنفاق والإيرادات مع ارتفاع في العجز في شهر يناير 2021، مقارنة مع نفس الشهر من العام الفائت، إذ بلغت الإيرادات 384.4 مليون ريال في يناير 2021 مقارنة مع 575.3 مليون ريال في يناير 2020 بنسبة تراجع بلغت 33.1%. في حين بلغ الإنفاق 755.6 مليون ريال في نفس الشهر مقارنة مع 919.7 مليون ريال في يناير 2020، وبنسبة تراجع بلغت 17.8% ، وبلغ العجز في يناير من هذا العام 370.8 مليون ريال مقارنة مع 344.4 مليون ريال في يناير 2020، وبنسبة تراجع بلغت 7.7% .
وعند إلقاء نظرة موضوعية على العجز البالغ 370.8 مليون ريال في يناير من هذا العام وبقسمته على 30 يومًا نجده يزيد عن 12 مليون ريال عُماني في اليوم الواحد لدينا .
ومن هنا تتضح الصورة للجميع بما فيها حجم المعاناة التي تشهدها الميزانية العامة للدولة، وهي حقائق تساعدنا في رحلة البحث عن سبل سد ثغرات العجز بين الإنفاق والإيرادات، وحتميّة إيجاد التوازن المأمول بينهما، وكذلك استنباط الإجراءات التي يتعيّن اتخاذها لمواجهة هذا الوضع .
إذن فإنّ الإجراءات الحكوميّة ماضية في تقليل العجز وصولا لتصفيره بحول عام 2025 كما أشرنا، بل وتحويله إلى فائض من خلال الإجراءات المتبعة.
فالبيانات تشير إلى أنّ الإنفاق في يناير 2021 تراجع بمبلغ 164 مليون ريال مقارنة مع الشهر نفسه في 2020، وذلك كنتيجة عملية لنقل ملكية الشركات والاستثمارات الحكومية من وزارة المالية إلى جهاز الاستثمار العُماني، بالإضافة إلى انخفاض المصروفات الجارية للجهات الحكومية بمبلغ 41 مليون ريال في شهر يناير، وهو تطور إيجابي في سبيل الوصول إلى نقطة التعادل (هدف مقابل هدف) في السنوات المقبلة إن شاء الله، وبفضل تعاون الجميع جهات وأفرادًا .
ما يجب تقديره في هذا المنعطف هو حقيقة أنّ الإدارة المالية للدولة وفي وسط عتمة هذه الظروف الاستثنائية ليست بالأمر السهل ووفق كل المقاييس الرياضية والعقلية، وتحقيق التوازن المنشود والمرتجى ليس بالأمر اليسير حُكما؛ فاليوم إدارة مصاريف وموازنة البيت تزعج البعض وترهق الآباء والأمهات، فما بالك بإدارة مالية دولة وإذ السعي محموم لرتق الفجوة بين الإيرادات والمنصرفات هو ذاته كالمشي فوق حبل مشدود عاليا بين بنايتين.
بالطبع يجب أن نحمد المولى عزّ وجل على النعم التي أنعمها علينا، وما حبا به هذا الوطن من خيرات يرفل الجميع في كنفها، وتعمل الحكومة وفق كامل جهدها لتسخيرها لخدمة المواطنين والمقيمين، ووفق معادلات محسوبة بدقة لإحداث التوازن المبتغى بدون المساس بالأساسيات وأبجديات الحياة الكريمة، وفي المقابل ينبغي علينا أن نستوعب بأننا دولة التزاماتها كبيرة ومواردها قليلة، وهنا مربط الفرس في أحدوثة إحداث التوازن بين هذه الحقيقة وتلك .
وليس ببعيد فإنّ الحكومة تعمل جاهدة على إعمال جهد التحفيز الاقتصادي وإضفاء التسهيلات اللازمة لمعالجة الإشكاليات الناتجة عن الوضع الاقتصادي والصحي المخيّم على البلاد والعالم بأسره.
نأمل أن يتفهّم الجميع أهداف ومرامي الإجراءات الحكومية وليوقنوا بأنّها ترمي لتحقيق أهداف كبيرة ونبيلة أشرنا إليها قبلا، مع السير الحذر في طريق الأشواك وعدم الاندفاع للاقتراض بغير حسابات دقيقة، إتقاءً لشر الوفاء بأعباء الديون وهي التي تؤثر بقوة على استقرار الوضع الاقتصادي كما نعلم.