بقلم : علي المطاعني
شدتني تجربة المهندس خالد بن إسماعيل الحراصي خريج الهندسة من إحدى الجامعات الوطنية في السلطنة، عندما لم ينتظر إطلالة هلال الوظيفة، ولم يصطف في طابور الباحثين عن عمل في القطاعين العام والخاص، ولم يتوسد صف المنتظرين على أحر من الجمر لهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لطلب قرض تمويلي، وإنما بادر ومن تلقاء ذاته الوثابة بمشروع وبرأسمال من والده بمائة ريال بإنشاء مبادرة (بي سيتك) في منزل والده لينطلق منه إلى فضاءات الأعمال، وليعمل بكد وجلد ليل نهار بحثا وتنقيبا في شبكة الأنترنيت لإنشاء علامة تجارية للحوم في السلطنة ربما تساوي أو أفضل من الكثير من مطاعم (الستيك) الموجودة بالبلاد بل وأقلها سعرا وأشهاها طعما ومذاقا.
الأمر الذي يبعث عل الإرتياج لهذه المبادرات الرائعة من أبنائنا الخريجين الذين يتطلعون إلى دعم حكومي ومجتمعي ممنهج ومنظم للنهوض بهذه المبادرات والأفكار ودعمها لها ليس شفويا وإنما عمليا بدون انتظار إلى رسالة طلب دعم أو غيره، ولحفز أبنائنا لممارسة الأعمال الحرة والتشغيل الذاتي في مواجهة معضلة نقص فرص العمل نتاج الأزمة الراهنة.
فالخريح خالد لم يصر على إنه مهندس ويجب أن يعمل بالهندسة فقط، وإن طال الإنتظار والسفر في بحور السراب وإنما شرع ومن تلقاء ذاته مستفيدا من دراسته للهندسة في التخطيط العلمي الدقيق فآل على نفسه إنشاء منتج رائج عندما إطلع وبزاوية عملية هندسية لتجربة مماثلة فقرر الإستفادة منها بنحو أكثر روعة وليحولها بشكل راق إلى عمل له مردود وعائد.
بدأ خالد العمل من المنزل وصولا لمطعم متميز، وهكذا هي الأعمال تبدأ صغيرة وتكبر مع مرور الأيام شيئا فشيئا مع الدعم المتواصل من الجميع كل وفق قدراته وإمكانياته وبما يسهم في تكامل الأدوار في النهوض بالمبادرات الفردية الخلاقة الهادفة إلى إستيعاب أبنائنا وتعزيز الثقة فيهم لبناء أنفسهم ووطنهم.
هو اليوم ورغم أن عمر التجربة سبعة أشهر فقط، وهي قصيرة بالطبع في عمر الأعمال والمشروعات إلا أن إيراداته اليومية تزيد عن 600 ريال يوميا، وأرباحه منها تزيد عن 50% في بعض المرات، وهي كافية كرد عملي على من يتهكم على المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومن العائد منها، ومن بيت صغير في بوشر إلى إحياء مسقط، وعبر التسويق الإيجابي بفضاءات الإنترنيت المفتوحة ليرتفع عدد متابعية لأكثر من عشرين ألفا في غضون أشهر، بعد تذوقهم بالهناء والشفاء لمذاق أكلاته الشهية من التيسك ومشتقاته من اللحوم مثل البيرجر.
ولا يكتفي خالد الشاب العشريني الطموح بتسويق منتجه وستيكه وبيرجره وإنما يعمل على تثقيف مجتمعه باللحوم وأنواعها ومزاياها وكيفية الحفاظ عليها إلى غير ذلك من معلومات تهم المستهلك إنطلاقا من مسؤوليته الإجتماعية من شاب تفيض جوانحه حبا وعشقا لوطنه ومجتمعه ومحبيه ومتابعيه، ولم يكن أبدا أنانيا في التركيز على جوانب العمل فقط، وإنما قفز إلى إسداء النصح لزبائنه ومتابعيه، ليضرب مثالا ولا أروع لشباب الوطن المحبين الذين يقدمون مصلحة وطنهم ومجتمعهم على مصالحهم الشخصية.
بلاشك أن مثل هذه المبادرات من الشباب تحتاج لمن يحتضنها ويعززها بكل الوسائل المادية والمعنوية لكي تلهم الشباب لممارسة هذه الأعمال من كافة الجوانب التمويلية والحماية من المنافسة غير المتكافئة وفتح الأبواب الموصدة أمامهم.
فعلي سبيل المثال وليس الحصر فلو أن خالدا كان باحثا عن عمل براتب 800 ريال شهريا حسب آخر تعديل في جدول الرواتب فإننا سنجد بأن الحكومة ستدفع له 9,600 ريال سنويا وإذا ضربنا هذا الرقم في 30 عاما كاخر تعديل على سن التقاعد في السلطنة سنجد بأن خالد سوف يستلم أكثر من 288 ألف ريال إذا كان موظفا في الدولة.
فمن خلال هذه الإحصائية العملية يتعين على الدولة أن تعمل لدعم أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فهم يوفرون الكثير على بند الرواتب بالحكومة، كما أن مثل مشروع خالد ربما يستوعب ثلاثة من أخوانه أو زملاء دراسته، عندها سنعيد الحساب كرة أخرى لنصل للرقم الآخر الذي وفره خالد للدولة من أموال، إضافة إلى القيمة المضافة الأخرى، لذلك نقول دائما يجب أن يكون هناك دعما ممنهجا لمثل هذه المبادرات وغيرها بشكل عملي وأكثر تنظيما مهما كلف ذلك من إدارة وتمويل وحماية، فالعائد على الإستثمار أكبر مهما كانت الكلفة.
بالطبع التحديات التي تواجه هؤلاء الشباب كبيرة وكثيرة، فيجب أن تشمر الحكومة عن سواعدها لمعالجة هذا الملف والشروع في تعزيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بفكر متطور قادر على القفز وتخطي كل أنواع المطبات الأرضية منها والهوائية، نأمل أن نعمل على تشجيع هذه المبادرات والعمل على النهوض الممنهج بها وأن تعمل الحكومة على إدارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل أفضل يسهم في استيعاب كوادرنا الوطنية في مثل هذه المبادرة التي تعد الآن نموذجا يحتذى به ونحن نقف في هذا المنعطف الهام ونمر بهذه الظروف الإقتصادية والصحية الإستثنائية.