مسقط - الشبيبة
بقلم : علي المطاعني
ربما البعض لا يعي معنى الصناعات الإبداعية، وما هو الإبداع المقصود في المقال الذي كتبته في هذا الشأن، والذي يحتفل به العالم هذه الأيام، بعضهم يختزل هذا الإبداع في الصناعات الحرفية مثل القفران وغيرها من الحرف التقليدية رغم أن هذه الحرف إرث حضاري ممتد ونتاج إنساني كان وما تزال له قيمته الحضارية ولايزال في إمكانه حصد الذهب لو تم تقديمه بشكل راق ومتواكب مع التطور وروح العصر.
ومن ناحية عامة فإن العمل أي عمل ليس عيبا أو مدعاة للخجل والإنزواء ما بقي شريفا وقادرا على إرغام الجباه لتتصبب عرقا، وربما أي مهنة أو حرفة أو رسم أو تصوير أو غيره من الأعمال الإبداعية افضل من أي وظيفة في الحكومة أو القطاع الخاص في ظل الظروف الإستثنائية الراهنة.
وعلى الجانب الآخر نسأل هل نسيت الصين وكوريا تراثها وثقافتها عميقة الجذور رغم تفوقهما في مجال التكنولوجيا الرفيعة والحديثة، بالطبع لا.
ونسأل تارة أخرى كم سعر الخنجر العُماني اليوم، وكم سعر الزي النسائي العُماني اليوم، وكم سعر المندوس المصنوع يدويا اليوم بالقطع هي صناعات غالية الثمن لأنها تستمد أصالتها من الإرث الحضاري العُماني العريق.
كما يمكن ملاحظة أن هناك تفاوتا في القدرات بين أبناء الأسرة الواحدة، وبالقياس سنجد هذه التفاوت بين أفراد الشعب بأسرة، فلا يعقل أن يمتهن الشعب مهنة واحدة ولايمكن أن نجدهم جمعيا قضاة ومهندسين وأطباء ألخ، ومن هنا يأت التكامل في إختلاف وتباين المهن بناء لتعدد الميول الشخصية.
وكذلك يجب أن نقر بان كل أبناء البلد ليست لديهم جميعا ميول نحو البتكوين والأنترنيت والأشياء والمركبات ذاتية الحركة والطائرة والأسواق المالية والفلسفة والإقتصاد، وهذه الإشارة ليست إنتقاصا من هذه التقنيات ولكنها تؤكد إختلاف ميول الناس ورغباتهم.
على ذلك نجد أن هذه الصناعات الحرفية بديلة عن وظائف برواتب متدنية كما هو واقع الحال، وتفضيل الأجانب على المواطنين في هذه الصناعات رغم أنها إرث حضاري عُماني صرف.
وفي إطار هذا المفهوم نجد أن الذي يتحدث عن هذا الحقل لايعرف تحديدا ماهي الصناعات الإبداعية ولا مجالاتها، وهذا امر خطير لأنه بهذه الطريقة أصدر حكما ظالما على منظومة إقتصادية متكاملة تدر المليارات على إقتصاديات الدول التي أهتمت بهذا الشأن.
فالصناعات الإبداعية تدر سنويا 2.250 بليون دولار أميركي، وتوظف 30 مليون شخص حول العالم وذلك حسب إحصائيات اليونسكو والأونكتاد، ولنا أن نعلم بأن صناعة الأفلام السينمائية تدخل ضمن الصناعات الإبداعية أيضا، وهذه الصناعة تستخدم أحدث التقنيات في العالم وهي صناعة في حالة تطور وإبتكار دائم وتدر الملايين على تلك الدول، كما أن الموسيقى تدخل أيضا ضمن الصناعات الإبداعية وكذلك المسرح والمتاحف، وأن الصناعات الحرفية التي يستهين بها البعض وبمردودها تعد من أهم الصناعات الإبداعية التي تدر دخلا عاليا وتوفر فرص عمل جيدة، وان هذه الصناعات الحرفية مثل صناعة القفير التي ربما يراها البعض عمل دون المستوى في حين ان الحقيقة غير ذلك تماما.
ففي أوروبا تشتري «قفير» مصنوع في الهند بجودة عالية بأكثر من 100 دولار، وأن الأزياء العُمانية التقليدية النسائية يصل سعر بعضها الآن إلى ألف ريال، فهل ستقول لإبنتك التي ترغب في دراسة الأزياء والتصميم أن لا تتخصص في هذا الحقل، وأن الأفضل لها دراسة علوم الكمبيوتر والتقنيات ذات الصلة، ولنا أن نعلم بأن الطباخين الشيف يتقاضون رواتب اكثر من بعض كبار المسؤولين في الحكومات، وأن الشيف التركي سيبقى أفضل مثال، فالمطبخ التقليدي والأكل الشعبي أصبح يقدم من طباخين يتقاضون أجورا خيالية مقارنة بالمهن التقليدية، لذلك فإننا نذهب للإعتقاد بأن على المرء أن لايعمل في مهنة لايحبها لأنه ببساطة لن يبدع فيها.
ولنوقن من أهمية هذه الجدلية فإن بعضهم يعمد لسرقة ماضي وتراث وثقافة الآخرين ليبيعه للسياح بإعتباره ابنا شرعيا لهذا المنتوج الحضاري، ورغم أن عملية سرقة التاريخ ليست بالسهلة إذ لا تلبث أن تتهاوى أمام تدفق المعلومات الموثقة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن تبقى الحقيقة ساطعة وهي أن هذه الموروثات لاتقدر بثمن لذلك يتكالب عليها اللصوص.