البيع على الخرائط

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٢/مارس/٢٠١٦ ٢٣:١٥ م
البيع على الخرائط

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

مظاهر الاحتيال لا تتوقف في الحياة كغيرها من الممارسات الناتجة عن رغبة البعض في النصب على الغير، والصعود على أكتاف الآخرين، فكل يوم تظهر لنا أشكال من صور الاحتيال تدمي القلوب لفضاعتها وخطورتها على الفرد والمجتمع، فالأمس كانت لدينا جمعيات وهمية التي جمعت الملايين من البعض وانتهت معظمها إلى قاعات المحاكم، إلا القليل منها، اليوم بدأت تظهر صور احتيال أخرى في القطاع العقاري يطلق عليها عقاريا البيع على الخريطة أو الخرائط، وما ينتج عنها من عدم الالتزام ما يطلق عليهم بالمطورين العقاريين إذا جاز لنا التعبير ذلك، بالإيفاء بالالتزامات بالانتهاء بالمباني في وقتها أو إنجازها حتى استلام دفعات من الناس على آمل أن يستلموا شقق الأحلام التي تنتهي بالكوابيس تؤرقهم ليلا نهار، من عدم تنظيم البيع على الورق ووضع الاشتراطات والضمانات الكافية لتشييد المباني والانتهاء منها في الأوقات المحددة، الأمر الذي يتطلب الإسراع في إصدار تشريع ينظم الاستثمار في هذا المجال بحيث يوفر ضمانات اكبر للمنتفعين من الوحدات السكنية.

إن بعض الممارسات الخاطئة ناتجة عن استغلال المرونة والتسهيلات المتوفرة في الاستثمار سواء العقاري أو غيره، وكذلك الفراغ القانوني المتمثل في عدم تنظيم هذا الجانب أو ذاك خاصه العقاري، لحداثته مقارنه بغيره من القطاعات، فمن الطبيعي أن تظهر احتيالات متنوعه منها ما يعرف بالبيع على الخارطة الذي يتمثل في تشيد المباني من جيوب الملاك أو الراغبين في تملك عقارات لهم ولأبناءهم على آمل أن تسلم في الوقت المحدد ، إلا أن بعضها لا تعدو إلا أن تكون بيع الوهم في ظل عدم توفر الضمانات الكافية من جهات رسمية تنظم عملية البيع التي تضمن للناس حقوقهم ويوفي من خلالها المستثمر أو المطور بالتزاماته والواجبات المفترض الوفاء بها.

فاليوم تجد مطور أو مستثمرا يشتري أرض استخدامها متعدد الطوابق ويصمم خرائط لها بأشكال مميزة خدمات وصور جميلة ويعرضها للبيع في المجمعات التجارية مستغلا الفتيات الحسناوات للترويج، والإعلانات في وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي،. ويفرشوا للناس أحلام وردية بامتلاك شقه في غضون عاميين مثلا ويطلب منهم دفعات مقدمة ونظام دفعات سلس إلى أن يستلم مفاتيح الشقة، إلا أن بعضهم يتعثر أو تحصل له ظروف أو رغبته في الاحتيال موجودة قبل أن يبدأ مشروعه وغيرها من الممارسات المتدنية للأسف حتى بدون موافقات من الجهات الرسمية وبعضهم بعد أن يبيع مبانيه وعماراتهم يتهرب من التزام الواجب عليه وتضيع أحلام الكثيرين من هذه الممارسات الخاطئة التي يعوزها التنظيم القانوني للاستثمار في هذا المجال الهام.
إن هذا الجانب لا يحتاج قانون ينظم الاستثمار العقاري بنظام بيع الشقق أو الفلل فقط، وإيجاد ما يسمى بحساب الظمآن للمبالغ المحصلة من الراغبين في شراء عقارات، يلزم المطور بفتح حساب خاص بأحد البنوك تودع فيه جميع مبالغ المستثمرين ويسحب منه بقدر مراحل البناء ولذات المشروع لكي يوفي المطور بالتزام وحفظ حقوق الناس، ولكي تطمئن الناس على أموالهم والحد من أي تجاوزات محتملة في هذا الجانب، بل أن تعزيز الاستثمار العقاري بمنظومة قانونية تحفظ حقوق الجميع وتعالج الاختلالات الناتجة عن صور التحايل من شانها أن تدفع إلى زيادة معدلات الشراء وتوظيف الناس مدخراتهم في أصول ثابتة كالعقارات.
إن الاستثمار العقاري يحتاج إلى المزيد من التنظيم ليس الذي يحد من صور الاحتيال فقط بمنع البيع على الخرائط فحسب، وإنما ببدء المطور إنشاءاته قبل أن يعلن البيع من خلال إلزامه بمثل هذه الجوانب، مثل ما تم إلزام الشركات بعدم طرح اسهمها للاكتتابات العامة إلا يعد صدور ميزانيتن سنويتين مدققة بعد ممارسات خاطئة اعترت هذا الجانب في السنوات الفائتة، مما حد بالجهات الحكومية تضمين اطر تمنع طرحها للاكتتاب، وهو ما ينبغي أيضاً تطبيقه على ما يسمى بالمطورين على اختلافهم، بحيث تكون لديهم اتفاقيات تشييد وجدول زمني بالانتهاء من مقاولين معتمدين يوفروا الجدية من جانب المطورين وتعزيز الثقة في هذا النوع من الاستثمار في البلاد.
بالطبع هناك من هو جاد في الاستثمار في هذه المجالات وغيرها ولديه قدرات وإمكانيات كبيرة وتجارب في العمل في هذا المجال وغيره، بل مطورين عقاريين لهم أسماءهم في هذا المجال في السوق، لكن ما يطفو في السطح كالفطر يحتاج إلى ضبط فليس كل واحد ممكن أن يبني بنايات ويبيعها بنظام الشقق بدون أي قانون يشرع له آليات العمل أو ضمانات كافية للحد من التحايل وتلويث السوق.
نأمل في تسريع الأطر والتشريعيات الهادفة إلى تنظيم الاستثمار العقاري ووضع كل ما من شأنه إثبات جدية المستثمرين وقدراتهم في الإيفاء بمستحقاتهم.