تدابير الحماية ومنغصاتها

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٤٥ ص
تدابير الحماية ومنغصاتها

أوتافيانو كانوتو

مرة أخرى، يجري تخفيض توقعات نمو التجارة العالمية للفترة 2016-2017. فالآن تتوقع منظمة التجارة العالمية أن تكون زيادة التجارة هذا العام عند أدنى وتيرة لها منذ الركود العالمي بعد عام 2008. تُرى ما الذين يجري؟
لا يرجع هذا الاتجاه بالكامل إلى تعافي الاقتصاد العالمي على هذا النحو الهزيل. ففي نهاية المطاف، كان نمو التجارة متفوقا على نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ وفي السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية عام 2008، كان متوسط الزيادة في التجارة ضعف زيادة الناتج. ولكن نسبة نمو التجارة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي كانت في انخفاض منذ عام 2012، وهو الاتجاه الذي سيبلغ ذروته هذا العام، مع تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي لنمو التجارة لأول مرة في خمسة عشر عاما.
ويأتي هذا التراجع مدفوعا بعوامل بنيوية، بما في ذلك توقف توسع سلسلة القيمة العالمية والمنعطف الذي سلكه التحول البنيوي في الصين وغيرها من الكيانات المؤثرة على النمو العالمي. والأرجح أن ارتفاع حصة الخدمات في الناتج المحلي الإجمالي للدول يعني ضمنا المزيد من الضغوط التي تدفع تدفقات التجارة إلى الانخفاض، نظرا لانخفاض الميل التجاري للخدمات مقارنة بالسلع المصنعة.
ولكن ليست كل القوى التي تقوض التجارة طويلة الأمد. ذلك أن عوامل أخرى مرتبطة بالأزمة، ومؤقتة، ويمكن عكسها، خلفت بعض التأثير أيضا. على سبيل المثال، كانت الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها منذ عام 2008 العديد من الدول في منطقة اليورو، والتي كانت تقليديا تمثل حصة كبيرة من التجارة العالمية، سببا في تثبيط الاستهلاك، وتوظيف العمالة، وغير ذلك الكثير. كما ساعد التعافي الضعيف للاستثمار الثابت في الاقتصادات المتقدمة في إضعاف التجارة، لأن السلع الاستثمارية تشمل تبادلات عبر الحدود أكثر مقارنة بالسلع الاستهلاكية.
ولكن لعل الأمر الأكثر خطورة هو ردة الفعل العكسية المتنامية ضد التجارة الحرة، وهو ما انعكس في الافتقار إلى إحراز أي تقدم في الجولات الأخيرة من تحرير التجارة وإقامة الحواجز التجارية غير الجمركية بهدف الحماية. ورغم أن تدابير الحماية الزاحفة هذه لم تخلف بعد تأثيرا كميا كبيرا على التجارة، فإن ظهورها أصبح مصدرا رئيسيا للقلق وسط المشاعر المناهضة للعولمة المتصاعدة في الاقتصادات المتقدمة.
الواقع أن إلقاء اللوم عل التجارة اليوم هو ما يحدث عندما تتحول المخاوف الاقتصادية ــ بما في ذلك ركود الدخول المتوسطة، وفي بعض البلدان ارتفاع معدلات البطالة ــ إلى مخاوف سياسية. فمع نظرهم إلى السخط الراجع إلى أسباب اقتصادية باعتباره فرصة للفوز بالدعم، كان بعض الدهاة من الساسة، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، يشيرون بأصابع الاتهام إلى قوى العولمة الضبابية المهَدِّدة. وهم يزعمون أن الهجرة والتجارة هما السبب وراء استشعار المواطنين لانعدام الأمن الاقتصادي.
ولعل المستند الأول في هذه القضية يتمثل في الحملة الرئاسية الحالية في الولايات المتحدة، والتي ركزت على التجارة بشكل أكبر من أي حملة مماثلة في تاريخ البلاد الحديث. ففي بيئة سياسية صعبة، يقترح كل من المرشحين، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، سياسات تجارية تتعارض تماما مع تقاليد الليبرالية الأميركية ــ وربما تنطوي على عواقب اقتصادية وخيمة.
فالآن، تعارض المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون الشراكة عبر المحيط الهادئ، الاتفاقية التجارية التي تفاوضت عليها إدارة الرئيس باراك أوباما مع 11 دولة أخرى تطل على المحيط الهادئ والتي تنتظر الآن تصديق الكونجرس الأميركي. كما عارضت منح الصين "وضع اقتصاد السوق"، لأن هذا من شأنه أن يزيد من صعوبة رفع دعاوى مكافحة الإغراق ضد الصين. وقد دعت إلى فرض رسوم تعويضية على السلع القادمة من الدول المؤهلة لوصف الدول المتلاعبة بأسعار الصرف.

مدير تنفيذي في البنك الدولي. والآراء الواردة هنا تخصه هو فقط ولا تعكس بالضرورة آراء البنك الدولي أو أي من الحكومات التي يمثلها.