احمد المرشد
يقولون دائما "ما آفة الأخبار إلا رواتها"، هذا ما شاهدناه مؤخرا وضخم ما يتردد في الكواليس المصرية – السعودية بأن ثمة أزمة كبيرة بين الطرفين، والمقصود برواة الأخبار هو الإعلام بمفهومه الأشمل، أي الإعلاميين المعتمدين الذين يكتبون في الصحف المختلفة سواء أكانوا كتاب رأي أو تقارير إخبارية ومذيعين في الفضائيات المختلفة الرسمية والخاصة، وهؤلاء هم بداية الأزمة بطبيعة الحال ، حيث هم الذين يفجرون أي خلاف بين دولتين أو مجموعات إقليمية، فمن عندهم يبدأ الخبر ثم الرد عليه، وما يليه من كتاب الرأي ثم الرد عليه، فتشتعل النار لتحرق الجميع، ماضيهم وحاضرهم وبالتأكيد مستقبلهم، في حين أننا لسنا في حاجة الي مزيد من النار في علاقاتنا ويكفينا ما نعيشه من ظروف إقليمية صعبة، فبلاد العرب تضيع وتندثر، والعالم يتكالب علينا طامعا في خيراتنا وجغرافيتنا وسيادتنا.
ذكرت أن الإعلام هو البداية، وهذا مقدور عليه، فنحن نعلم بحكم خبراتنا وعملنا في هذا المجال طوال حياتنا، كم للتعليمات من دور مؤثر في مثل هذه المواقف، فالتعليمات ربما تصدر من جهة غير ذي صلة أوعلي بينة ببواطن الأمور فيكون الموقف صعبا بعد تدجين الأقلام وقدح كل طرف الأخر بما ليس فيه.. وهذا ما تم في الأزمة الأخيرة بين مصر والسعودية، فلا ننكر بعد الكثير من اطلاعنا علي ما كتب من شم رائحة التعليمات، هذه العادة المذمومة بأن تكلف بعض الأقلام بشن حملة معينة، ثم تنبري هذه الأقلام في قذف الآخر بما ليس فيه.
وإذا كان الإعلام الرسمي هو البداية، فهو سهل لجمه حتي وإن كان الموقف أصبح صعبا نوعا ما مع انتشار الصحف المستقلة، وما تدعيه باستقلال مواقفها التحريرية عن رؤية الدولة الأم، ولكن ثمة مشكلة كبيرة تتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" وهي التي تشعل الأمور بين أي دولتين، فالذين يكتبون تنتابهم"الشوفينية الوطنية" وتتغلب عليهم قومياتهم، وتكون كلماتهم وجملهم كالسياط التي لا يعيش من يضرب بها أبدا. فتجد من يفتح النار علي الأخر مستخدما السوشيال ميديا لا يري في الأخر ميزة، فكل ما يراه عيوبا ونواقص، وهنا تبدأ المعايرات والمهاترات، وتتسع الفجوة وبدلا من أن تكون بين عاصمتين ودبلوماسيين ومحدودة التأثيرة وخفية، تكون الأزمة أضخم بما يصعب وأدها.
ومن يتعرض لمهاترات المعايرة والسب والقذف يرد هو الأخر، ويستخدم التاريخ تارة، والدين تارة أخري، والاقتصاد تارة ثالثة، فثمة طرف يتحدث عن قوته الاقتصاديه الحالية ويرهن بها وضع الأخر وما جعله يقف علي قدميه بعد أن كاد يسقط هو وشعبه..في حين أن هذا الأخر لديه من الأسلحة التي يرد بها أيضا ويشهرها فورا ليهاجم بها، وهو هنا يتسلح بماضيه.
بالتأكيد..ينسي الإعلاميون ومتابعو السوشيال ميديا، حقائق مهمة للغاية، منها أن العلاقات بين مصر والسعودية لا تتأثر بأي تصرف عابر، فهي أقوي مما يتصور هؤلاء، فالسعودية ظهير الوطن العربي والإسلامي والكل حريص علي أن تكون علاقته بها وطيدة ومميزة..ومصر هي عمق هذ الوطن وقوته، فلا السعودية تستطيع التخلي عن مصر، وكذلك لا تستطيع مصر أن تتخلي عن السعودية، فكلاهما جناحا الأمة..والداني والقاصي يعلم هذا ويحفظه عن ظهر قلب، ولكن هي النعرة الوطنية الكاذبة التي تصور للبعض أن إقليمه هو الأهم وأنه بدون دعمه لللأمة ستضيع هذه الأمة وتنهار.
نعلم أن العلاقات بين الدول لا تستقر علي حال، فهي مثل الترمومتر، ترتفع وتنخفض، فهكذا الحياة التي نعيشها، ولكن الأهم هو حقيقة أخري وهي أن الخلاف لا يفسد للود قضية، خاصة في تلك الآونة الصعبة، حيث أصبحنا أمة محاصرة بالحروب والفتن والأزمات، فكل ما حولنا يندثر ويضيع، فلا قادتهم عاقلون ولا شعوبهم تحكم – بكسر الكاف - العقل في أمورها، فالسلاح أصبح هو الأداة الوحيدة الفعالة حاليا..والكل يستقوي بسلاحه وما لديه من ذخائر وعداد.
ونعلم أيضا أنه مع خطورة هذه المرحلة، لا يجب أن نترك للإعلام ومواقع السوشيال ميديا السيطرة علي طبيعة الأمور وقضايانا السياسية، فالإعلام عندما يدس أنفه "تخرب الأمور" كما يقولون، فما بالنا وقد رأينا السوشيال ميديا تدخل الحرب هي الأخري، فلا نحصد من ورائها سوي النار والحرائق.. وللأسف، رأينا من يصف مصر والسعودية بأنهما أعداء، مستلهما قصص خاطئة من الماضي ليثبت وجهة نظره، وكان حري بكل هؤلاء الميل نحو التهدئة، حتي لا تقودنا بعض الأقلام المغرضة للتهلكة ، فنحن العرب لسنا بحاجة الي هذا، وأمامنا أزمانا صعبة حتي نستعيد فيها أمجادنا، فالإعلام والمواقع الكاذبة تغذي الفرقة والفتنة وليس الوحدة التي نبتغيها جميعا.
الغريب أن مواقع السوشيال ميديا ومتابعيها حرفوا الهدف منها، وهو التواصل الاجتماعي وليس التنابذ العرقي والديني والفوقي ونشر وتمرير الأكاذيب وبثها علي أنها حقائق مسلم بها.
لا أريد أن نورد في مقامنا هذا بعض ما كتبه إعلاميون في صحفهم ومواقعهم الإخبارية، أو مواطنون من كلا البلدين علي السوشيال ميديا، فكثير من هذه الكتابات لا ترقي للأسف لمعني أو مضمون الكتابة، وإنما مجرد أهواء شخصية وخزعبلات..ولكن المؤسف حقا هو ما تناقلته الصحف والأخبار عن مسئولين في مواقع نافذة وتعليقاتهم التي لم ترق لمستوي مناصبهم.
اجمالا..قوة السعودية هي قوة لمصر، وقو مصر قيمة مضافة لقوة السعودية، فهما وكما ذكرت كفتا ميزان الوطن العربي، وعلاقاتهما القوية والمتوازنة قوة لهذا الوطن.. وبقدر دعوتنا لسرعة تطويق الأزمة الناشبة بين الدولتين أيا كانت مسبباتها، فلا مصلحة للسعودية ومصر في استمرار الفجوات بينهما، فمن الضروري وقف تداعيات أي أزمة بين القوتين الكبيرتين. فما شاهدناه مؤخرا ربما ينبئنا بالأسوأ، مما يتطلب توحيد الرؤي بقلب مفتوح حتي نفسد علي المغرضين أغراضهم المشبوهة بانتاج أزمات أخري.
لن أنزلق الي كتابة ماهي أسباب الأزمة أو تداعياتها المؤسفة، فربما يوقعني هذا في نفس الأخطاء التي انتقدتها لتوي، ولكن الأهم هو الإشارة الي أن العلاقات – أي علاقات – بين الدول ستكون عرضة للتجاذب والاختلاف، ولكنها أبدا لا تنزلق الي حافة الهاوية إلا في حالة واحدة وقد مررنا بها جميعا، وأقصد الاحتلال العراقي للكويت، فهنا انبري كل العرب ليقفوا بجانب التحالف الدولي لإزاحة هذا الاحتلال عن الكويت الشقيق..وليتنا نعيد هذا التوافق الي علاقاتنا حاليا.
كاتب ومحلل سياسي بحريني