تريند الطلاق.. ظاهرة منتشرة تثير القلق في دول الخليج

مزاج الأحد ١٧/أغسطس/٢٠٢٥ ٢٢:٠٦ م
تريند الطلاق.. ظاهرة منتشرة تثير القلق في دول الخليج
قدسية الزواج تذوب في حرارة عصر "اللايك" والترند

عواصم خليجية - وكالات

المختصة النفسية د. تحرير صافي:

منصات التواصل الاجتماعي غيّرت ملامح الحياة الزوجية داخل المجتمع الخليجي.

هذه المنصات نقلت الخلافات من الدوائر المغلقة إلى الفضاء العام بحثاً عن التفاعل أو الانتقام.

هذا التغيير أضعف الحصانة الاجتماعية للزواج.

الحفاظ على هذا الرباط اليوم يتطلب وعياً أكبر وانضباطاً في إدارة الخصوصية.

في مدن الخليج التي لطالما تغنّت بأصالة الروابط العائلية، لم يكن الزواج مجرد عقد شرعي، بل عهد مقدس تُقام له الولائم وتُبنى عليه أُسر يعوَّل عليها في حفظ النسب والكرامة والمستقبل.

غير أن دخول الإنترنت، ثم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أحدث تحوّلاً صاخباً في مفهوم العلاقة الزوجية، وأعاد صياغتها على إيقاع "اللايكات"، والقصص المتداولة، و"التريندات" العابرة، وهو ما ساهم في زيادة نسب الطلاق، وفق تقرير لصحيفة "الخليج اون لاين".

تشير الإحصائيات المتوفرة في آخر عامين إلى ارتفاع لافت في نسب الطلاق بدول الخليج، وسط قلق رسمي ومجتمعي:

سجلت السعودية أكثر من 57.595 حالة طلاق خلال النصف الأول من 2025، بمعدل 157 حالة يومياً، بحسب صحيفة "الوطن".

في الكويت ارتفع عدد حالات الطلاق خلال عام 2024 بنسبة 3.9% مقارنة بعام 2023، حيث سُجلت 8168 حالة.

إحصائيات جهاز التخطيط والإحصاء القطري تؤكد ارتفاع حالات الطلاق من 10.1 لكل 1000 رجل في عام 2013، إلى 13.1 في عام 2022، ومن 8.5 لكل 1000 سيدة إلى 10.9 في 2022.

المحاكم الإماراتية وثّقت 3023 حالة طلاق خلال خمس سنوات، من 2020 حتى نهاية 2024، في 4 إمارات (الشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة)، بحسب الإحصاءات المتوفرة.

في عُمان بلغ عدد حالات الطلاق 4,122 خلال عام 2024 بحسب بيانات المجلس الأعلى للقضاء.

في البحرين بلغ عدد حالات الطلاق للذكور 1563 وللإناث 1406، بحسب إحصائية لوزارة العدل والشؤون الإسلامية لعام 2020.

ورغم الفروق في الأرقام والأسباب المتفرقة للطلاق، فإن القاسم المشترك بينها هو قلق متزايد من الدور السلبي الذي تلعبه منصات السوشيال ميديا في تقويض دعائم العلاقة الزوجية.

الخصوصية تُستبدل بالعرض المباشر

قبل انتشار الإنترنت، كانت العلاقات الأسرية في الخليج تُدار على نحو تقليدي متماسك، يتمثل في أن للبيت حرمة، وللخلافات أطرها، محتكمين للأعراف والدين.

وكان الطلاق يُعد خياراً أخيراً مؤلماً لا يُتخذ بسهولة ولا يُذاع أمام الناس؛ لذلك عُرف جيل الأمس بما يُسمى بـ"ثقافة التحمّل"، حيث كانت العلاقة تُبنى على الالتزام لا الانبهار، وعلى الشراكة لا المقارنة.

أما اليوم، فيعبّر خبراء نفسيون ومستشارون أسريون عن قلقهم من مشهد تتصدّره الخلافات الزوجية على العلن، والطلاق الذي يُعلن عبر بوستات مصوّرة، بحسب شهادات نقلتها عنهم صحيفة "الإمارات اليوم".

فاطمة جاسم الهياس، رئيسة المجلس الاستشاري الأسري الإماراتي، وصفت هذا المشهد بقولها: "ما يُبث من طلاق علني وتبادل اتهامات يعزز الصورة السلبية للزواج، ويشوّه وعي المراهقين والمقبلين على الزواج".

بدورها ترى أمل أبو العلا، استشارية الطب النفسي، أن "تحوّل الطلاق إلى عرض مباشر عبر الإنترنت يُهدد الأمن النفسي للأسرة، ويجعل الزواج مجرّد تجربة قابلة للفسخ العاطفي والاجتماعي بسهولة".

ولم يعد الأمر يتوقف على عرض لحظة الانفصال فحسب، بل باتت بعض المنصات تروّج لتجارب الطلاق مثل "تحرر"، وتُقارن علاقات اليوم بصورٍ مثالية لا تمت للواقع بصلة.

المحامي السعودي دخيل الدخيل، قال في حديث سابق لصحيفة "اليوم" المحلية، إن فئة كبيرة من الأزواج، أدمنت بعض وسائل التواصل الاجتماعي، التي أدت لانحراف البعض عن المسلك الصحيح، حتى أصبحت ترسم لهم خارطة الطريق للعديد من أمورهم الزوجية.

تقرير لصحيفة "سبق" السعودية، رصد انتشار "ظاهرة جديدة اقتحمت خصوصية الأسر بشكل أكبر، وهي نشر بعض السيدات وثيقة الخُلع وأحكام النفقة من خلال مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، والتي تحمل في بعض الأوقات أسماء الأبناء والزوج، في مشاهد تبدي فيها المختلعة أو صاحبة حكم النفقة ابتهاجها".

ويحذر التقرير الذي نشر قبل عامين من أنه "لا يحمي حسن النية وعدم الإلمام بالأنظمة والقوانين مرتكبي ذلك الفعل (أزواجاً وزوجات) من العقوبة، كما لا يعفي المحرض والمساعد عليها؛ فهو معرض لعقوبة قررها النظام، بالإضافة لما يحمله نشر هذه الوثائق التي تحمل أسماء أفراد الأسرة من تشهير يقع تحت طائلته".

وتصل عقوبة التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، إلى السجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفق التقرير.

ويؤكد عضو اللجنة الوطنية القانونية بالمملكة، محمد الوهيبي، في حديث لبرنامج "الشارع السعودي" على القناة الرسمية، أن "الفضفضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عند الانفصال تعرض الشخص للمساءلة القانونية بتهمة التشهير".

ثقافة المقارنة

في منصات اليوم، تُنشر صور "كابلز" في رحلات فاخرة، وتُروّج علاقات مثالية يصعب على الأزواج تقليدها أو مجاراتها.

تحت هذا الضغط، يُصبح الزوج أو الزوجة في موضع "المقصر"، ويُبنى شعور بالحرمان أو الغضب، الأمر الذي يفاقم الأمور لينتهي الأمر بخطوات بسيطة؛ يُفتح الهاتف، ثم يُسجَّل فيديو يعلن فيه الشريك وصول الشراكة الزوجية إلى المحطة الأخيرة ويُنشر قرار الانفصال.

إنها آلية انفصال رقمية، اختزلت العلاقة في محتوى، وجعلت المجتمع جمهوراً لحياة خاصة لم يعد لها حدود.

لكن رغم ذلك، ما زال في الخليج أزواجٌ يبنون منازل على الحب لا على "الفلتر"، ولكن الأرقام تقول إن هناك أزمة حقيقية في النظرة للعلاقات الأسرية.

السوشال ميديا، وإن كانت وسيلة، فقد تحولت عند البعض إلى أداة تهشيم، وبينما كان الطلاق في الماضي نهاية صامتة لعلاقة لم تثمر، أصبح اليوم، في حالات كثيرة، مشهداً درامياً يشارك فيه المتابعون، لا الأزواج وحدهم.

المحامية القطرية فوزية صالح العبيدلي، اعتبرت في حديث سابق لصحيفة "الشرق" المحلية، أن وسائل التواصل الاجتماعي "أفسدت على الأزواج معيشتهم؛ حيث يعيش كل من الزوجين في عالمه الخاص؛ ونجد الأزواج يعيشون تحت سقف بيت واحد، ولكنهم لا يعرفون بعضهم البعض".

وتتابع: "بخلاف الأفكار التي تبث عبر تلك القنوات من تكوين حياة هلامية لا وجود لها على أرض الواقع، ليعيش الأزواج حلم أن تصبح حياتهم شبيهة بتلك الحياة التي يشاهدونها، بخلاف متابعة المشاهير واتخاذهم كقدوة لأغلب الزوجات والأزواج ليملوا عليهم ما يجب فعله، ثم يصطدموا من جديد بواقعهم".

قبل وبعد السوشال ميديا

في حديثها لـ"الخليج أونلاين" تؤكد المختصة النفسية د. تحرير صافي، أن منصات التواصل الاجتماعي غيّرت ملامح الحياة الزوجية، لافتة إلى أنها نقلت الخلافات من الدوائر المغلقة إلى الفضاء العام بحثاً عن التفاعل أو الانتقام.

وتشير صافي إلى أن هذا التغيير أضعف الحصانة الاجتماعية للزواج، مؤكدة أن الحفاظ على هذا الرباط اليوم يتطلب وعياً أكبر وانضباطاً في إدارة الخصوصية.

وتلخيصاً لصورة المجتمع الخليجي بين جيلي قبل وبعد السوشال ميديا، توضح المختصة النفسية لـ"الخليج أونلاين":

في الماضي، كانت الخلافات الزوجية محصورة في دائرة ضيقة من المعارف. وكانت السرية جزءاً أساسياً من حماية صورة العائلة وخصوصيتها.

مع صعود "التريند" وانتشار منصات التواصل، أصبح نشر الخلافات علناً وسيلة لجذب التفاعل.

هذا التفاعل يأتي بدافع الانتقام، أو طلب الدعم العاطفي، أو حتى لكسب المتابعين.

التحول من "بيت مغلق" إلى "مسرح عام" غيّر موازين القوة داخل العلاقات.

هذا التحول أدخل أطرافاً خارجية – من متابعين ومعلّقين وصانعي محتوى – في قرارات كانت تُتخذ سابقاً خلف الأبواب المغلقة.

قديماً، كان الزواج يُنظر إليه بصفته عقداً اجتماعياً ودينياً له مكانة خاصة.

وكان الطلاق نادراً وثقيل الوقع، يتطلب صبراً وجهداً لتفاديه.

اليوم، ترفع الصور المثالية على منصات التواصل سقف التوقعات، لكن عند مقارنتها بالواقع، يشعر كثيرون بالإحباط والانكسار.

كثرة القصص التي تعرض الانفصال بكونه خياراً بسيطاً قللت من رهبة القرار.

يجد بعض الأزواج أن أزماتهم تجذب مشاهدات أكبر من لحظات الانسجام، لتتحول العلاقة إلى مادة تسويقية أكثر منها رابطاً إنسانياً.

رغم أن قدسية الزواج في المجتمع الخليجي لم تختفِ، لكنها فقدت جزءاً من "الحصانة الاجتماعية" التي كانت تحميها.

أصبح الحفاظ على العلاقة يتطلب وعياً أكبر وضبطاً للنفس في إدارة الخصوصية، مع إدراك مخاطر تحويل الحياة الزوجية إلى "عرض مباشر" لجمهور مجهول.