علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي ينبغي أن تتعزز الاستفادة من المقومات الحضارية التي تزخر بها بلادنا من تراث وحصون وقلاع وحارات قديمة، وغيرها من الإرث الكبير والماضي العريق الذي تتميز به السلطنة، وتوظيفه بشكل يسهم في الحفاظ عليه، وتطويره للاستفادة منه في مجالات السياحة.
إلا أن إلغاء شركتي تراث وضيافة أحد أركان شركة عمران خلال سنة من إنشائهما، يشكل ضربة قاصمة للجهود الحكومية التي تعمل على الاستفادة من هذه المقومات الحضارية المتوفرة ويقضم التراث العماني وكيفية تطويره بشكل يتناسب مع التطورات الجديدة التي يحتاجها العمل الاقتصادي.
وما يثير الاستغراب قرار إدارة الشركة الأجنبية إلغاء شركتي تراث وضيافة، ربما هي غير معنية بهذه الجوانب المهمة لنا كبلد حضاري ذي تاريخ موغل في القدم، ولا يشكل تطوير مثل هذه الشركات أهمية لها حتى تراعي التراث والضيافة العمانية كأحد مقومات السياحة الثقافية.
وفي المقابل ينبغي أن تعي هذه الإدارات أنها تعمل في دولة للتراث والضيافة قيمتها المعنوية عالية تفوق أي تكاليف ونفقات، لذلك على شركة عمران أن تطلعنا عن سبب إلغائها لهاتين الشركتين الحضاريتين دون غيرهما.
إن رعاية التراث الحضاري الكبير في السلطنة يحتاج إلى جهود كبيرة ليس بترميم القلاع والحصون والقرى التراثية فقط، وتجديد العمر الافتراضي لهذه الموروثات والمحافظة عليها من أن تتداعي بحكم الإهمال تارة أخرى، وإنما بالحفاظ عليها أيضا من خلال توظيفها بما يخدم القطاع السياحي، وتعظم الاستفادة منها في الأنشطة التجارية المتعددة، فضلا عن المحافظة عليها من تناسي الأجيال للتراث، والضيافة بطبيعتها الحالية من الضروري تطويرها بشكل يتواكب مع المستجدات المعاصرة، وتقديمها للأجيال بشكل يساعد على التعاطي معها واستيعابها في خضم هذه التطورات الحديثة التي تجعل الفرد ينسى تاريخه وماضيه.
ولذلك أوكلت الحكومة هذه الجوانب لشركة عمران لتسريع وتيرة العمل في هذا الجانب وإضفاء الجوانب التجارية عليها لأهداف كبيرة، إلا أن إلغاء هاتين الشركتين تراث وضيافة، اللتين تشكلان دعامة لإحياء إرث عريق في السلطنة له من السلبيات ما يجعلنا نطالب شركة عمران بإعادة النظر في إلغائهما والنظر لهاتين الشركتين ودورهما في الحاضر والمستقبل .
إن وجود مثل هذه الشركات ضرورة لتعزيز العلامات التجارية ذات الصبغة التاريخية في البلاد لأنها تبرز القيم والسمات لدى الشعب العماني، بل وتسهم في توضيح هذه المفاهيم التراثية للأجيال، فاليوم تغيب مفاهيم التراث والضيافة وغيرها عن أبنائنا وماهية هذه المفردات ودلالاتها التاريخية والحضارية وعلاقتها بالحياة، وعندما نلغي شركات ذات هذه القيمة الحضارية، إما أننا لا نفقه مفهوم التراث والقيم ودورها في حياة الأمم والشعوب، أو أننا نصغي للأجانب في كل مقترحاتهم بحلوها ومرّها فضلا عن عدم الرغبة في تطوير هذه الجوانب وبقائها محلك سر كما يقال.
فبلاشك إن السياحة في السلطنة تحتاج إلى الكثير من المنتجات الثقافية التي ترتبط بعراقة الشعب العماني وماضيه التليد، وتأهيلها لكي تتماشى مع التطورات الحديثة، وتطوير الجوانب التجارية في الأنشطة السياحية وتعزيزها بالإمكانيات المادية التي تساعدها على الاستثمار في القطاع السياحي، ومن ضمنها تحويل القلاع والحصون والقرى التراثية إلى نزل سياحية تسخر للسكن كالفنادق الخاصة في الولايات التي تزخر بهذه المقومات وتفتقر في المقابل للمنشآت الإيوائية كالفنادق والاستراحات، وتطوير هذه الجوانب من خلال شركة تراث بالطبع سيكون له طابع مختلف .
وكان الهدف من إنشاء شركة ضيافة هو إدارة المنشآت الفندقية القائمة في البلاد، وإنشاء فنادق ومرافق سياحية خدمية وإدارتها بطرق تجارية، من خلال إنشاء شركات لها صفتها الاعتبارية تساعدها على تسريع هذه المرافق وتجويد الخدمات السياحية التي تواجه انتقادات حادة خاصة أيام الإجازات لأنها يكثر فيها الضغط ويزداد الطلب عليها. فإلغاء ضيافة طبعا سيبقي الوضع على ماهو عليه ودون تركيز أكبر نحو تعزيز الخدمات السياحية، وليس لهذا التصرف ما يبرره مهما كانت الأسباب التي حدت بالشركة إلى مثل هذا القرار.
بالطبع شركة مثل عمران الذراع الاستثماري للحكومة في القطاع السياحي لديها مشروعات كبيرة كمدينة العرفان وتطوير مطرح وغيرها من المشاريع الضخمة الموجهة لشريحة معينة، ولن يجعلها ذلك تلتفت إلى إلى شركتي تراث وضيافة في زحمة العمل والمسؤوليات، كما أن النظرة الدونية من الإدارات الأجنبية للجوانب التاريخية والتراثية تجعل هذه المجالات تفقد زخم الاهتمام المطلوب.
بل إن مركزية القرار وعدم إعطاء الصلاحيات والتفويض في الإدارات خاصة الأجنبية التي ترغب في الإمساك بتلابيب العمل ومفاصله هي التي تؤخر مثل هذه المشاريع، وتضعها في خانة عدم الأولوية.
نأمل من إدارة عمران توضيحا وتفسيرا لما لجأت إليه عمران من إلغاء تراث وضيافة اللتين قد تحدثان تطورا للعديد من الجوانب التراثية وتغيّر مفهوم الحداثة في الضيافة في السلطنة.