إلى أين تتجه اقتصادات دول الخليج في 2023؟

مؤشر الأربعاء ١٨/يناير/٢٠٢٣ ٠٨:٤٦ ص
إلى أين تتجه اقتصادات دول الخليج في 2023؟
ناطحات السحاب على الأرض المحيطة بمركز الملك عبد الله المالي في الرياض

الشبيبة - وكالات

تمكنت دول الخليج خلال عام 2022، من النأي بنفسها عن الاضطرابات العالمية التي سببتها التوترات الجيوسياسية والحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة وتفاقم معدلات التضخم وتقلبات الأسواق، بفضل الأداء القوي عموماً الذي تميّزت به اقتصادات الدول المصدّرة للنفط، وفق ما جاء في تقرير أصدرته "بي دبليو سي" (PWC)، وتلقّت "الشرق" نسخة منه.

البنك الدولي يتوقع نمو اقتصادات الخليج العربي 6.9% هذا العام

ذكر التقرير أن استضافة دول المنطقة لفعاليات دولية ناجحة في العام الماضي، مثل النصف الثاني من"إكسبو دبي" في دولة الإمارات، وكأس العالم لكرة القدم في قطر، ومؤتمر الأطراف (COP27) في مصر، ساهمت أيضاً في تحقيق هذا الأداء القوي. إلا أن هناك 5 محاور وتوجهات رئيسية، لا بد من مراقبتها في 2023، حسب التقرير، نظراً لأهميتها بالنسبة إلى اقتصادات دول الخليج.

هذه التوجهات، كما تقول "بي دبليو سي"، تتمثل في احتمال تباطؤ النمو مع دخول ثلث اقتصادات العالم في حالة ركود، على الرغم من أن التوقعات لدول الخليج في 2023 أكثر تفاؤلاً، إذ من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6% خلال العام الجاري.

استمرار الزخم

يقول التقرير إنه مع محافظة مؤشر مديري المشتريات في القطاعات غير النفطية على مستويات جيدة خلال الجزء الأكبر من عام 2022، يُتوقع أن يستمر الزخم بوتيرة سريعة، لا سيما في ظل مواصلة الاقتصادات الخليجية تنوّعها.

البنك الدولي يتوقع تباطؤ نمو الدول العربية لخفوت طفرة النفط

من جهة أخرى، أشار التقرير إلى أن الوتيرة السريعة لرفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، انعكست ضغوطاً كبيرة على سيولة السوق في منطقة الخليج، إلا أن ذلك سيتغير نتيجة إجراءات تصحيحية في 2023.

فيما يتعلق بالإصلاحات المرتبطة بالتزامات تحقيق الحياد الكربوني، يُرجّح أن تجد دول المنطقة دافعاً أكبر للمضي في تنفيذ المزيد منها، مع توجه الأنظار إلى مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين (COP28) الذي ستستضيفه دولة الإمارات في وقت لاحق من العام الجاري.

المحور الأخير الذي يدعو التقرير إلى مراقبته خلال 2023، فيتمثل في تركيز دول الخليج بشكل أكبر على توطين القوى العاملة في القطاع الخاص، فضلاً عن مشاركة المواطنين كجزء من القوى العاملة، لا سيما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

تراجع التضخم

لا يزال التضخم يُعتبر تحدياً كبيراً بالنسبة إلى العديد من دول العالم. أما في منطقة الخليج، فعلى الرغم من تسجيله في يوليو الماضي أعلى مستوى له منذ 11 عاماً عند 4.8%، إلا أن معدل التضخم انخفض إلى 4% في نوفمبر، ومن المتوقع أن يواصل انخفاضه إلى 2.7% في 2023.

تقول "بي دبليو سي" إن هناك أسباباً عديدة وراء هذا التراجع، أهمها الإعانات وضبط أسعار الوقود والكهرباء والمواد الغذائية، فضلاً عن قوة الدولار الأميركي الذي ترتبط به معظم عملات دول الخليج، والتي حدّت من تضخم أسعار الواردات في منطقة تعتمد إلى حد كبير على السلع المستوردة.

تشير معدلات التضخم المتواضعة في منطقة الخليج، إلى عدم وجود حاجة ملحة للتخفيف من حدة هذا التضخم عبر تدخلات السياسة النقدية، لكن مع ذلك، فإن ربط العملات بالدولار، يعني أن على الدول الخليجية أن تواكب رفع أسعار الفائدة الأميركية، كي لا تواجه خطر تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج.

نمو القطاعات غير النفطية

فيما يتعلق بتوجهات النمو خلال 2023، ذكر تقرير "بي دبليو سي"، إلى أن البيانات الحديثة المتاحة للربع الثالث من 2022، تظهر نمواً راسخاً للقطاعات غير النفطية في السعودية، ودبي، والبحرين، في حين شهدت عُمان انكماشاً بنسبة -1% على أساس سنوي، نتيجة ضعف قطاع البناء (الذي تراجع بنسبة -22% على أساس سنوي) منذ بداية العام. وباستثناء هذا القطاع، حققت القطاعات غير النفطية الأخرى نمواً بنسبة 4.2%.

لفت التقرير إلى أن السعودية على وجه الخصوص، تمتلك زخماً قوياً تعززه النفقات الحكومية والإصلاحات الاقتصادية، حيث عاد كل قطاع من القطاعات في الربع الثالث إلى المستويات التي كانت سائدة قبل جائحة كورونا، فيما حققت القطاعات غير النفطية ككل، نمواً بنسبة 8.4%. وعلى الرغم من أن بعض القطاعات، لا سيما النقل والضيافة، لم تتعافَ بشكل كامل بعد في دول الخليج الأخرى، إلا أن هذه القطاعات تحقق تقدماً ملموساً.

فائض المالية العامة

بعدما سجلت دول الخليج عجزاً بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، ما اعتُبر أسوأ عام لها منذ انخفاض أسعار النفط في أوائل التسعينيات -وهو كان سابع عجز إقليمي سنوي على التوالي- جاءت وتيرة التعافي سريعة للغاية، حيث انخفض العجز بشكل كبير ليصل إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021، قبل أن يتحول العجز إلى فائض بنسبة 3% تقريباً في 2022.

السعودية، وفي إطار برنامج التوازن المالي، تمكنت من تحقيق أول فائض في ميزانيتها منذ 9 أعوام، بلغ 102 مليار ريال (27.1 مليار دولار)، أي ما يعادل 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022.

ميزانية السعودية 2022 تحقق أول فائض في 9 سنوات

أما هذا التحوّل، بحسب تقرير "بي دبليو سي"، فمردّه إلى الضبط المستمر للنفقات إلى حد كبير. أشار التقرير إلى أن أحد الأمور التي تبعث على التفاؤل، هو أن حكومات الخليج تلتزم بقيود على مستوى مجالات الإنفاق الأساسية غير المرنة، وأنه من الصعب التراجع عنها. فعلى سبيل المثال، ارتفعت الرواتب في المملكة العربية السعودية بنسبة 2% فقط خلال العام الماضي، لتعود إلى مستويات عام 2019، فيما ارتفعت النفقات الأساسية الحالية في عُمان (باستثناء الدعم ومشتريات الغاز) بنسبة 2% فقط.

سياسات ضريبية مستقرة

كذلك، أظهرت الميزانيات المنشورة حتى الآن، جانباً إيجابياً آخر على المستوى المالي، وهو عدم وجود تقلبات في السياسة الضريبية أو حتى بعض التدابير الجديدة المهمة، وهو أمر غير مسبوق خلال فترة الازدهار النفطي. فقد حافظت السعودية على معدل ضريبة القيمة المضافة البالغ 15%، على الرغم من أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أشار في عام 2021 إلى أنه سيتم تخفيض هذه النسبة في مرحلة ما. ومن جهتها، ضاعفت البحرين معدل ضريبة القيمة المضافة ليصل إلى 10%، فيما أصدرت الإمارات قانوناً في ديسمبر الماضي، يقضي بتطبيق ضريبة على الشركات بنسبة 9%، سيدخل حيز التنفيذ في يونيو 2023. أما في عُمان، فقد بدأ البرلمان مناقشة مشروع قانون ضريبة الدخل الشخصي، وهو الأول من نوعه في المنطقة.