
بقلم: علي المطاعني
تطوير القطاع السياحي في السلطنة مسؤولية مجتمعيّة حكومية وأهليّة؛ إذ لا يمكن أن تنهض بها جهة بعينها في أي مكان في العالم؛ فالسياحة بمفهومها الواسع هي مجموعة مقوّمات وخدمات متكاملة تقوم بها عدة جهات حكوميّة، وكذلك مشروعات سياحيّة ينهض بها القطاع الخاص.هذه المؤسسات هي من يصنع السياحة إذا رغبنا في الحديث عن السياحة ككل متكامل، فإذا اختلت خدمة معينة من الخدمات لا يمكن أن تُقدَّم الأخرى؛ فهي سلسلة مترابطة، كل واحدةٍ تكمل الأخرى، فلا يُمكن تصوّر مكان سياحي بدون كهرباء، وليس بمقدورنا أن نصل إلى مزارٍ سياحي بدون طريق ممهّد، وبذات الكيفية يصعب الاستمتاع بمقوّم سياحي بدون مياه؛ فهذه الخدمات تُقدّم من جهات أخرى لها أولوياتها في التنمية الشاملة، وليست السياحية فقط، فلا يمكن أن نلوم الجهة المشرفة على السياحة بعدم تنمية مزارٍ سياحي إذا لم تصله الخدمات، ولا نستطيع أن نلقي باللوم ذاته على أجهزة الدولة إذا كانت أولوياتها التنموية متدرجة وفق أسس ومعايير مدى الاستفادة من الخدمة؛ فالمدرسة أهم من بناء مرفق سياحي أو توفير خدمة سياحية، وبناء مستشفى يُحظى بأولوية أكثر من تنمية مشروع سياحي أيًا كانت جاذبيته، وهكذا تُقاس الأمور؛ ليس في السلطنة وحدها وإنّما في كل دول العالم، ولذا فإنّ الحديث عن السياحة إذا خرج عن هذا الإطار سيغدو ترفا أكثر من كونه حاجة؛ مهما كان مردوده على البلاد والعباد؛ الأمر الذي يتطلب أن ننظر للأمور بهذا المنظار، وإلا سوف يختل تقديم الخدمات الأساسيّة على حساب تنمية مزارات سياحيّة تستفيد منها القلة. وعلى ذلك تسعى الحكومة بكل السبل إلى تنمية القطاع السياحي وفق إمكانيّاتها وأولويّاتها التنمويّة، وتُحفِّز القطاع الخاص على الاستثمار بكل السبل للقيام بهذا الدور والمسؤولية كغيره من دول العالم، التي تسند المشروعات الخدمية ذات الطابع التجاري للشركات والمؤسسات للاستثمار؛ إلا أنّ هذا الاتجاه يواجه تحديات اقتصادية تتمثل في الجدوى من المشروعات والعائد على الاستثمار وغيره من الجوانب التي تخضع لذلك، ولا نغفل الأبعاد الاجتماعية في مجتمعنا المحافظ، والتي تشكل عائقًا في كثير من الأحيان، وحساسية السياحة في العالم لأي ظرف أو تطورات سياسية وعسكرية وكذلك صحيّة تؤثر عليه سلبا؛ فضلا عن موسميّة السياحة في كل دول العالم. كل هذه المتغيّرات تمثل تحديًا لتطوير القطاع السياحي، ناهيك عن جاذبيّة الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الأخرى كالتجارة والعقارات، وسهولة ممارستها التي تسيل لعاب المُستثمرين وتبتعد بهم عن القطاع السياحي ذي العائد البعيد المدى والتكلفة التشغيلية للمنشآت السياحية التي تضيف أعباءً على المستثمرين. ومع ذلك تسعى الحكومة إلى تنمية القطاع السياحي كغيره من القطاعات الاقتصادية والتنموية على مدى 50 عاما الفائتة ؛ ولكن مساحة السلطنة وتنوّع تضاريسها وجغرافيّتها لا يمكن أن تظهر فيها التنمية السياحية وفق الإمكانيات والتحديات بالشكل الذي نتطلع إليه بين يوم وضحاه؛ فلنكن أكثر واقعية في التعاطي مع هذا الجانب بعيدًا عن العاطفة، فالكل توّاق إلى تنمية السياحة في السلطنة والاستفادة من الإمكانات والمقوّمات السياحية الطبيعية والتاريخية والحضارية والبيئية وتنوّع المناخ. ولكن كما يقال «العين بصيرة واليد قصيرة» في هذا الشأن وغيره؛ وفق ما تطرّقنا إليه من أولويات تنمويّة ومتغيّرات استثمارية. ومع ذلك أنشأت الحكومة شركة عمران للتنمية السياحية لتكون الذراع الاستثماري في هذا القطاع وجذب المُستثمرين والدخول في شراكات وإدارة الأصول السياحية، وتعظيم الاستفادة منها على أكثر من صعيد، وتعمل وفق إمكانيات ومحددات معينة ومتغيرات متسارعة في الاستثمار في قطاع يُعد من أصعب القطاعات في ضمان العائد؛ نظرًا لما أسلفنا من حساسيّته وتذبذب تحديد العوائد الاقتصادية فيه. وعلى الجانب الآخر تسعى الحكومة لتشجيع القطاع الخاص العماني والأجنبي للاستثمار في القطاع السياحي في كل المجالات السياحية؛ كبناء منشآت فندقيّة أو تقديم خدمات، كما توفِّر قروضًا عبر بنك التنمية العماني لتشجيع المستثمرين في هذا المجال، وهناك تطوّرات في هذا الجانب تعكس نمو المنشآت السياحية في البلاد عامًا بعد عام؛ ولكن مع ذلك نقول إنّ رأس المال جبان، ويبحث عن المشروعات الأكثر جدوى والأقل تكلفة وأكثر عائدا، وتتجاذب القطاع الخاص فرص ومجالات أكثر وأفضل، فضلا عن أنّ الاستثمارات في القطاع السياحي يجب أن تكون مُتدرّجة وفق الحاجة بحيث لا يكون أشبه بالإغراق في العرض وقلة الطلب تكون ردة فعل الاستثمار والعائد منه سلبية على القطاع والمستثمرين. الأمر الآخر الذي يجب أن ندركه عند التعاطي مع القطاع السياحي هو تباين مفاهيم السياحة في دول العالم وتطور أنماطها اليوم؛ فلم تعد السياحة التاريخية والطبيعية تجتذب السياح، بل ظهر ما يُعرف بسياحة التسوّق العائلية؛ ولذلك يجب أن تتغير طبيعة الاستثمارات وتهيئة البنى الأساسية لها، وكذلك العروض السياحية من المنشآت. بالطبع جهود تنمية السياحة ماضية إلى تحقيق تطلّعاتها، فلا يجب أن نستعجل كثيرا في هذا الشأن، ولا يمكن أن نُسقط تجارب دول أشبه بالمحافظات مساحةً على تجربة السياحة في السلطنة وبكافة متغيّراتها وتحدياتها؛ سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، فلا يُعقل أن تفتح البلاد كشركة يتحكّم فيها فرد، فطبيعة الدول وعراقتها وتركيبتها تفرض طبيعة التوجّهات على الحكومات. نأمل أن ننظر للسياحة بمفاهيم أوسع، وأن ننظر لتجربة التطوير بالإيجابية التي تحقق التفاؤل في بناء قطاع سياحي متوازنٍ؛ بعيدا عن الشطط وإلقاء اللوم والدخول في مهاترات طويلة لا طائل منها إلا السِّجال في وسائل التواصل الاجتماعي.