علي المطاعني
.
تابعت ما أثير حول تعميم أحدى شركات الشحن عن الإجراءات المتبعة في السلطنة كغيرها في دول العالم، وذلك فيما يتعلق بتفتيش الكتب المعروضه للبيع بالبلاد، وتوضيح وزارة الإعلام حول عدم تفتيش الكتب للإستخدام الشخصي، وإنطلاقا من أهمية توضيح بعض الجوانب في هذا الشأن والتي قد تغيب عن أذهان البعض، ذلك ليس دفاعا عن وزارة الإعلام ولكن لتوضيح الحقيقة الناصعة التي يجب علينا إدراكها ولفائدة الأجيال المتحمسة والمتطلعة للمعرفة والإستزادة ولكن تنقصها فقط المعلومة الصحيحة.
بداية فإن تفتيش او مراقبة الكتب المعروضة للبيع عبر المعارض أو المكتبات هو إجراء روتيني متبع في كل دول العالم، ولكل دولة مسوغاتها الخاصة، الجانب الآخر في الواقع ليست لدينا في السلطنة كما هو معروف إشكاليات سياسية أو تحزبية نمنع بموجبها الكتب السياسية، بل ليس لدينا سجين سياسي أصلا، فأوضاعنا في هذا الجانب واضحة للجميع، على ذلك لايتعين تأويل الأشياء بغير أوصاف الواقع القائم كالحريات وغيرها.
ولكن في المقابل الكتب هي سلعة كغيرها من السلع تخضع للتفتيش للوقوف على ما تتضمته متى ما عُرضت على الناس كنوع من الحماية لهم، ودرءا لما قد تحمله بين دفتيها من مساوئ ومغالطات ليس بالضرورة أن تكون سياسية، ولكن هناك محظورات كثيرة، إذ تعمل الدولة جاهدة للحفاظ على نسيجها الإجتماعي من خلال صد الكتب التي تسعى لخدش هذا النسيج الذي لايقبل المساس به بإعتباره خط الأمن الداخلي الأول، وذاته النسيج هو المستهدف بالتطرف ونعرات إقصاء الآخر من خلال الأفكار السوداوية ملهمة الفتن والبغضاء والتي تسعى لصبغ المجتمع بلونها الكالح والمرفوض عُمانيا.
فحماية الوطن والمواطن من هذه الآفات هي مسؤولية وطنية لا تقل عن مسؤوليات الأمن التقليدي والدفاع عن حياض هذا الوطن العزيز على قلوبنا جميعا، وإذ نحن نعيش في سلام ووئام يحسدنا عليه الكثير ممن حرموا من هذه النعمة الأغلى والأعلى.
فمراقبة وزارة الإعلام للكتب المعروضة للبيع في المعارض والمكتبات هو إجراء مشروع ومهم في ذات الوقت، وهو ما يتعين إستيعابه من قبل الجميع، فمجتمعنا عبارة عن نسيج متعايش في وئام ومحبة بين المذاهب والأعراق والأجناس والفئويات مشكلين تنوعا فريدا ورائعا تحت مظلة عُمان الوطن، فالكل له ايدلوجياته ومعتقداته وانسابه وأجناسه والكل يحترم إنسانية الآخر، على ذلك لايمكننا أن نسمح لفكر يتعارض مع هذه المسلمات عبر كتاب ما ليخدش روعة هذه اللوحة الوطنية الفريدة ويعرض كتبا تهين فئة او مذهب او جنس او عرق، ويعرض للبيع في معارضنا ومكاتبتنا برخصة رسمية من الدولة، فهذا لم يكن ولن يكون ابدا.
الجانب الآخر وكما أوضحنا فإن الكثير من الدول تفعل الشئ نفسه، فالكثير من الإصدارات العُمانية حتى الأدبية والثقافية منها والمجلات تُمنع ببعض الدول للآسف، ومع ذلك نحترم قرارات تلك الدول بإعتبارها شأن داخلي لا يحق لنا أن نقحم أنفسنا فيه والعكس هو صحيح أيضا وبطبيعة الحال، فنحن لدينا إيمان راسخ بحتمية تلاقح الأفكار والحضارات، ولكن يبقى هذا الإيمان بعيدا وبمسافة كافية عن المحظورات الدينية والأخلاقية والمساس بقيم المجتمع.
فالبعض قد يقول بأن الكتب متوفرة بالإنترنت في إطار السماوات المفتوحة بدون رقابة، ذلك بالطبع صحيح.
ولكن كون أن ترخص الدولة بتداول كتب تمس تلك الخطوط الحمراء لتباع داخل حدودها فذلك أمر لايمكن حدوثه، فالأنترنت يعج أصلا بالغث والثمين وليبقى قرار إختيار ما ينبغي الإطلاع عليه مرهون بوعي الشخص ومسؤوليته الأخلاقية تجاه أسرته ومن ثم وطنه ومواطنيه.
نأمل أن يعلم الجميع داخل البلاد وخارجها، بأن السلطنة لا تصادر الفكر تماما كما قالها ذات يوم المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد.
ولكننا في ذات الوقت لا نسمح للمحظورات التي أشرنا إليها بالإقتراب من حدود الوطن وقيمـــــــــه ومبادئه، فتلك خطوط حمراء لا يمكن أن نقبــــل بها.