أسطورة الرجل القوي

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٣/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٤٠ ص
أسطورة الرجل القوي

ترودي روبين

لقد دخلنا في عصر أصبح فيه الأقوياء في حالة رواج والديمقراطية تتلقى ضربة في جميع أنحاء العالم. لذلك فإنه من المحبط حقا في هذا الموسم الانتخابي الكئيب أن نرى مدى غفلة المرشح الرئاسي الجمهوري الرئيسي عن التهديدات التي يشكلها الحكام المستبدون. ومن المحبط بنفس القدر أيضا أن نرى الحزب الجمهوري – في المعركة على من يخلف رئيس المحكمة العليا أنتونين سكاليا – يقوّض الحماية المؤسسية التي تحمينا من هذا الاتجاه العالمي.
في مناظرة الجمهوريين الأخيرة الصاخبة، قال دونالد ترامب إن الشرق الأوسط كان من شأنه أن يكون في حال أفضل "لو كان مازال كل من صدام حسين ومعمر القذافي في موقع المسؤولية" في بلادهم. وقد أوضح ترامب أنه لا يرى أي مشكلة في أن يظل بشار الأسد رئيسا لسوريا. كما أثنى على فلاديمير بوتين (الذي يصف ترامب بأنه "رائع") وقال إنه يود العمل مع الروس لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
ليست المشكلة في ما إن كان من الأفضل للولايات المتحدة أن تبقى خارج العراق ولا ما إن كان ينبغي علينا أن ندير ظهرنا لسوريا، ولكن المشكلة تكمن في افتراض ترامب أن الأنظمة الديكتاتورية هل الحل للشرق الأوسط وأن حاكما مستبدا مثل بوتين هو شريك جيد للولايات المتحدة.
إن هذا الكسل في التفكير يتجاهل القوى التي أنتجت موجات الإرهابيين الجهاديين في العالم العربي – وكذلك يتجاهل طموحات بوتين الخطيرة التي أججت تصاعد الجهاديين.
وعلاوة على ذلك، فإن هذا التملق لمفهوم الرجل القوي الشعبوي هو أمر جد خطير عندما يتم تطبيقه على الجبهة الداخلية.
إن الطغاة المستبدين هم السبب في الفوضى الحالية في الشرق الأوسط، وليسوا هم الحل. ففي ظل عقود من سوء الحكم، حافظت عائلات كل من صدام حسين والقذافي والأسد على أنفسهم في السلطة عن طريق عائدات النفط والقمع، ولم يبنوا قط المؤسسات التي يمكن أن تدير الدولة أو توفر فرص العمل للأعداد الضخمة من الشباب – وبخاصة عندما انخفضت أسعار النفط.
وحتى لو أن الولايات المتحدة كانت قد بقيت خارج العراق، فقد كان لابد أن يندلع سخط الشباب في المنطقة – كما حدث أثناء الربيع العربي، الذي بدأ بعد ثماني سنوات من بدء الحرب على العراق. ولكن الطغاة في مصر وليبيا وسوريا سحقوا أي قيادة معارضة قادرة على البقاء، كما فعل صدام حسين قبلهم.
لم يكن للشباب المتمرد أي قيادة على مستوى هذه المهمة، ولا أي مؤسسة للبناء عليها. وقد أدى تمردهم إلى الفوضى وأنتج الدول الفاشلة التي أصبحت أرضا خصبة للحركات الجهادية. ولكن العودة إلى الديكتاتورية – أو الإبقاء على الأسد – لن يؤدي إلا إلى إعادة تشغيل الدورة الكئيبة مرة أخرى.
وقد اتبع بوتين نفس هذا المسار المدمر داخل روسيا، فقد بنى شعبيته من خلال توزيع ثروة النفط وفي نفس الوقت قمع وسائل الإعلام ومعها أي معارضة، بما في ذلك الاحتجاجات من قبل الطبقى الوسطى الحضرية.
وبعد أن فشل في بناء اقتصاد متنوع، ومع انخفاض أسعار النفط، كان على بوتين أن يلهي جمهوره بمغامرات خارجية في أوكرانيا وسوريا. وقد روج لهذه المغامرات في الداخل بشعارات شعبوية قومية.
وعلاوة على ذلك، يحاول الرئيس الروسي الترويج لعلامته التجارية الاستبدادية مرتدية لباس الزخارف البرلمانية والانتخابات باعتبارها بديلا عن الديمقراطية الليبرالية – والترويج لنفسه باعتباره هو زعيم هذه الحركة.
إنه يمول الأحزاب السلطوية الشعبوية في فرنسا وأوروبا الوسطى ويثير الأقليات الروسية في دول البلطيق. كما يقوم ببذر بذور الشقاق داخل الاتحاد الأوروبي من خلال إرسال طائرات حكومية روسية وسورية لاستهداف المستشفيات والمدارس والأسواق في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في سوريا، ليدفع بذلك المزيد من اللاجئين إلى أوروبا. وفي الوقت الذي نمر فيه الآن بذكرى مرور عامين على غزوه لشبه جزيرة القرم، مازال بوتين يواصل زعزعة استقرار أوكرانيا.
ناهيك عن أن ديكتاتورية بوتين تهدد المستقبل الاقتصادي لبلاده، ففي اللحظة الراهنة، التي يسير العالم فيها نحو الجنون، يشكل بوتين نموذجا يحتذى به يريد الشعبويون الآخرون محاكاته.
وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى الولايات المتحدة وما يميز هذا البلد عن الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وعن روسيا التي تغرق، وهو التمييز الذي فشل ترامب وزعماء الحزب الجمهوري في تقديره حق قدره.
بفضل الآباء المؤسسين، هذا البلد له مؤسسات – الرئاسة والكونجرس والمحكمة العليا – كانت بمثابة العمود الفقري للبلاد، مستقلة في ذلك عن التغييرات السياسية. ولديه (في الأغلب) سيادة القانون وحكومة توفر الخدمات الحيوية. بعبارة أخرى، هذا البلد ليس دولة فاشلة مثل سوريا أو مصر أو العراق أو ليبيا أو روسيا (بصرف النظر عن ثروتها النفطية).
ولكن في هذه الأيام المربكة، شن المرشحون الجمهوريون حملاتهم الانتخابية وكأن هذه المؤسسات والحكومة نفسها أعداء لهم. لقد كرّس المشرعون الجمهوريون أنفسهم لشلّ حركة الكونجرس أثناء مدة حكم أوباما.
وفي خرق واضح للدستور ولكل السوابق، ألغت قيادة الحزب الجمهوري جلسات التأكيد خلال مدة حكم أوباما لملء شواغر المحكمة، فقوضت بذلك مؤسسات الرئاسة والمحكمة.
وفي ذات الوقت، يلعب ترامب على وتر السخط العام للترويج لنفسه باعتباره شعبوي بوتيني سيحكم بقبضة حديدية ويعالج لنا جميع عللنا.

في عالم تتقدم فيه "البوتينية"، لم تعد ديمقراطيتنا المشلولة (عن عمد) تظهر بمظهر البديل الجذاب. فإن كان السياسيون يصرون على أن الدولة قد فشلت، بدلا من التوحد لحل مشكلات البلد، فقد يخلقون نبوءة تتحقق ذاتيا. قد ينجحون في إقناع الكثير من الأمريكيين أن البلد أصبح منهارا بشكل ميؤوس منه.
ورغم أني ما زلت أشك أن هذا يمكن أن يحدث، قد يبدأ كثير من الأمريكيين في الاعتقاد بأن الحل هو اختيار شخص يزعم أنه زعيم "قوي". لو حدث ذلك سيكونون مخطئين، ولكنهم لن يدركوا ذلك إلا بعد فوات الأوان.

* كاتبة عمود في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر