عندما تخرب دولة الرفاهة حياة البشر

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٩/يناير/٢٠١٨ ٠٦:١٠ ص
عندما تخرب دولة الرفاهة حياة البشر

نكير وودز

حرصت المملكة المتحدة على التعجيل بإطلاق برنامج للضمان الاجتماعي لا يمكن أن يحبه أحد سوى إنسان بالغ القسوة (كشخصية إبنيزر سكروج في رواية تشارلز ديكنز «ترنيمة عيد الميلاد»). يحل برنامج «الائتمان الشامل» محل ست من فوائد الرعاية الاجتماعية المختلفة -مثل الخصم الضريبي للطفل واستحقاق السكن. ويتلخص الهدف في تحفيز تشغيل العمال، وإيجاد نظام متصل وأسهل استخداما.

هذه هي الفكرة على أية حال. ولكن من المؤسف أن إطلاق النظام الجديد كان متعسرا. فانتظار الدفعة الأولى لمدة 42 يوما كحد أدنى كان يعني أن بعض الأسر أصبحت مفلسة لمدة قد تصل إلى ستة أسابيع. وعندما وصل المال، وجد العديد من المتلقين أن استحقاقاتهم قد تقلصت. وفي المناطق حيث جرى تنفيذ الائتمان الشامل على نطاق واسع، تزداد الإحالات إلى بنوك الطعام، كما تزداد حالات الطرد من السكن.

ولكن رغم كل العناوين الرئيسية المثيرة، هناك مشكلة أكثر عمقا وغير مذكورة تعيب إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة: فهو بدلا من الحد من الفقر، ربما يؤدي إلى تفاقمه في واقع الأمر.في الكتاب الرائد المنشور في العام 2013 بعنوان «الندرة: لماذا يعني الحصول على أقل مما ينبغي الانزلاق إلى عواقب جسيمة»، من تأليف سيندهيل موليناثان وإلدار شافير من جامعة برينستون، يستقصي الباحثان الظروف التي تدفع الناس إلى اتخاذ قرارات بشأن الكيفية التي يُديرون بها وظائفهم، وأسرهم، وحياتهم. وينطوي بحثهما على درسين ينبغي وضعهما في الاعتبار عند تقييم آخر إصلاح لنظام الرعاية الاجتماعية في المملكة المتحدة.
الدرس الأول هو أن الناس -الأغنياء والفقراء- يتجهون غالبا إلى اختيارات رديئة عندما يفتقرون إلى مورد أساسي، مثل المال أو الوقت. على سبيل المثال، قد تكون «قروض يوم دفع الراتب» الباهظة التكلفة جذّابة في نظر مقترضين يعانون من ضائقة مالية، حتى وإن كانت شروط هذه القروض تميل إلى دفع الناس إلى تحمّل المزيد من الديون. وليس هذا لأن الناس يفتقرون إلى التعليم. ففي دراسات منضبطة، طلب موليناثان وشافير من طلبة جامعة برينستون أن يمارسوا لعبة موقوتة على الكمبيوتر حيث أتيحت لهم الفرصة لاقتراض ثوان إضافية، حتى وإن كان ذلك يعني التخلي عن ضعف عدد الثواني من إجمالي الوقت المتاح لهم. واغتنم العديد منهم الفرصة، الأمر الذي دفع الباحثان إلى استنتاج مفاده أن القرارات السيئة من الممكن أن تنتج عن ظروف الندرة والإجهاد.
ومن الواضح أن أحدث إصلاحات الرعاية الاجتماعية في بريطانيا من شأنها أن تدفع العديد من المتلقين إلى حسابات مماثلة؛ لأن العديد من الفقراء انخفض ما يحصلون عليه من دعم. ولم يكن هذا هو الهدف الأصلي لنظام «الائتمان الشامل»، ولكن الحكومة التي تسعى إلى خفض الإنفاق وجدت في خفض الرعاية الاجتماعية إغراءً لا يقاوم. والنتيجة نظام أقل سخاءً بنحو 3 بلايين جنيه إسترليني (4 بلايين دولار أمريكي) من النظام الذي حل محله.
وتشير بعض التقديرات إلى أن نحو 1.1 مليون أسرة تتألف من والدين ستفقد نحو 2770 جنيها إسترلينيا في المتوسط سنويا، في حين تخسر الأسر ذات العائل الوحيد 1350 جنيها إسترلينيا في المتوسط سنويا.
ومن المرجح أن تعمل هذه التخفيضات في الاستحقاقات على إدامة حلقة من التخطيط الرديء والقرارات السيئة. وهي حلقة مفرغة، فكلما حُرِم الفقراء من الموارد، كلما أصبحت قراراتهم أشد ضررا.الدرس الثاني المستخلص من دراسة شافير وموليناثان ينطبق على حدود «النطاق العريض» البشري. فنحن نعلم جميعا أن السائقين الذين يستخدمون الهواتف المحمولة أثناء القيادة أكثر عُرضة للحوادث، أو أن الطلاب الذين يستخدمون أجهزة الكمبيوتر المحمولة أثناء المحاضرات يقل تحصيلهم التعليمي. فإذا تشتت تفكير الناس بفعل شاغل ملح، يُصبِح أداؤهم أسوأ في المواقف التي تتطلب حل المشاكل.
ويعمل نظام الاستحقاقات الاجتماعية في بريطانيا بطريقة مماثلة، فهو مستهلك شره لانتباه الناس. على سبيل المثال، أنشأ سلف نظام الائتمان الشامل (قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية لعام 2012) أسقف لبدلات السكن المحلية ومجموع الاستحقاقات، وعقوبات الإشغال المنقوص. كما تغيّرت استحقاقات العجز واختبارات الأهلية بشكل كبير. وكل هذه «التحسينات» جاءت تالية للعشرات من التغييرات الأخرى، مما أوجد دوامة من البيروقراطية التي أجهدت القدرة على التفكير السليم واختبرت العزيمة.
والآن تأتي التغييرات الجديدة، التي تعمل فعليا على إيجاد ارتباكات مؤلمة للمستفيدين، وإرغام الفقراء على إنفاق المزيد من الطاقة العقلية للإبحار عبر أمواج نظام جديد آخر، وقواعد وإجراءات جديدة. وهذا أشبه بإجبار الناس على استخدام الهاتف المحمول كلما قادوا سياراتهم.

عميدة كلية بلافاتنيك للحكم ومديرة برنامج

الحكامة الاقتصادية العالمية بجامعة أكسفورد.