محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com
عادتي لا أحب أن اقرأ كتب المسرحيات.. إلا قليلاً، فاللعبة على الخشبة أجمل، لأن الشخصيات ليست مجرد حروف على سطح ورقة بل بشر من لحم ودم وأحاسيس يتحركون أمامك وتنظر في أعينهم، وفي ملامح وجوههم، فتضحك أو تبكي، أو تتأمل الحكاية على أفواههم.. على خشبة المسرح النص ليس بمبدع واحد فقط هو المؤلف، بل هناك عشرات آخرون يعيدون تركيبة الحياة بأبطالها يتسيدون المكان مقابل آخرين، هامشيين يتحركون في خدمة البطل.
قبل أيام أكملت قراءة نص مسرحي جميل كتبه إيريك إيمانويل شميت، عنوانه اعترافات زوجية، لغة تجبرك على التمعن فيها، وتعلم الكثير من ذلك الذي يقال عنه مسرح الحياة، أو الحياة على خشبة مسرح، بطلان فقط يرسمان حكايتهما بلغة فلسفية تعبّر عن ذات الإنسان وهي تحاول أن تختبر الآخر، الشريك الذي لا مناص عنه في هذه اللعبة، البيت والحياة والإحساس، والحب والألم، الزوج الذي يفقد ذاكرته فيحاول أن يهرب من تفاصيل لا يريدها في حياته الزوجية، مقتنصاً المزيد من اعترافات زوجته، عمّن يكون هذا الرجل/ الزوج، ومن تكون هي تلك المرأة/ الزوجة.
من المستشفى يعود «جيل» برفقة زوجته، يعرض عليها أن تتخلص منه طالما أنه فاقد للذاكرة وليس متأكدا أنها زوجته أو أنها جاءت به تتبناه في وحدتها، وعبر الحوارات بينهما، تكشف له أي رجل كان، ويسألها أي امرأة كانت هي أيضاً، وهما يمارسان لعبة التخفي والكذب والخداع، الخشية أن يكون هناك آخر يمكنه أن يسحب الآخر صوب ضفته ويبقى (هو/ هي) وحيداً، الغيرة أو الأنانية أو الخشية من الفراغات القاتلة.
تتصاعد الحوارات كاشفة عن علاقة الزوجين السابقة، ومكانة الحب في أجندتهما اليومية، يطلب منها الصفح لأنه حاول أن يقتلها، ثم يكتشف أنها من ضربته بما أدى إلى دخوله المستشفى، فتتبادل معه فعل طلب الصفح.
في هذا المنحنى من النص يجد القارئ تفرعاً خطيراً، كيف يمكن مغالبة هذه الواقعة لتستمر الحياة الزوجية، لأنهما يكتشفان أن حياتهما بدون وجود الآخر فارغة.. على صفحة الغلاف الأخير من الكتاب الصادر عن سلسلة «من المسرح العالمي» تلخيص للرؤية الفنية التي تبناها إيريك إيمانويل بهذا النص المسرحي والذي عرض كثيراً على مسارح أمريكا وأوروبا إن مسرحية اعترافات زوجية «سلسلة من الأسئلة الفلسفية عن الزواج، والعلاقات الحميمية، والحياة المشتركة بين الزوجين، بحلوها ومرها، بطيب عيشها وحنظل مشاكلها، بسعادتها وشقائها، لكنها أسئلة لا تجد جوابها إلا في مديح ذلك الزواج، والحث على ضرورة الحفاظ على لحمته، في أفق استمرار هذه النواة الرائعة التي تحمينا من الضياع والنسيان والتشرد: الأسرة.
نص مسرحي يكتب عن قضية جادّة جداً، لكن الكوميديا حاضرة لتضيف لمساتها حيث الحياة/ الخشبة، بدون ابتسامة تبقى جافة، كما يبقى هذا العمل مدرسة في الكتابة المسرحية.