الموصل والحسابات الإقليمية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
الموصل والحسابات الإقليمية

ترودي روبين

مع بدء كل من القوات العراقية والكردية في عملية تحرير الموصل من قبضة داعش، بمساعدة مستشارين وقوات جوية من الولايات المتحدة، عاد ذهني إلى الوراء لزيارتي لهذه المدينة في عام 2003.
كانت تلك الزيارة بعد مضي وقت ليس بالطويل على استيلاء القوات الأمريكية على هذه المدينة من قوات صدام حسين. كان الجنرال ديفيد بيتريوس، الذي كان وقتها قائدا للفرقة 101 المحمولة جوا، يتواصل مع زعماء هذه المدينة المتعددة الأعراق ولكنها ذات أغلبية سنية عربية.
ولكن، وأنا أتجول في قاعة مدينة الموصل، أخذني أحد المسؤولين جانبا وحذرني ببعد نظر هامسا: "رجال صدام لهم لحى ويتحركون في المساجد. وعندما يغادر الأمريكيون سيعودون كإسلاميين متشددين". مؤكد تماما، فعندما انسحبت القوات الأمريكية، ظهر الجهاديون ؛ وحدثت لهم تحولات على مر السنين – من خلال العديد من التكرارات – ليصبحوا في النهاية داعش.
لذلك فإن السؤال الملح هو ماذا يحدث في اليوم التالي لخروج داعش، عندما يتم طرد الإرهابيين من الموصل ومحافظة نينوى المحيطة بها؟ فإذا نجحت الخطة العسكرية، هل سيكون هناك أي متابعة سياسية لمنع مظالم السنة من إنتاج نجل جديد لداعش؟
في الوقت الراهن، ليس هناك مثل هذه الخطة في متناول اليد. ولا أحد يفهم خطورة هذا الفراغ السياسي أفضل من الأكراد.
قال لي مؤخرا بيان سامي عبد الرحمن، ممثل حكومة إقليم كردستان العراق في واشنطن: "القلق الأكبر من جانبنا هو من الذي سوف يحكم الموصل ونينوى وكيف".
إن أكثر ما يخشاه الأكراد هو أنه في غياب اتفاق مسبق بين حكومة بغداد وإقليم كردستان، فإن تحرير الموصل ونينوى لن يؤدي إلا إلى قتال جديد. بل إن الأسوأ من ذلك أن قوى خارجية مثل تركيا والسعودية وإيران قد تخوض حربا بالوكالة على من يسيطر على الموصل والمناطق المحيطة بها، دعما للفصائل المختلفة.
قد يسأل سائل: لماذا ينبغي أن يكترث الأمريكيون بهذا الأمر؟ لأنه من هذه الفوضى العراقية (إضافة إلى الفوضى السورية المجاورة لها) قد تنمو حركات إرهابية جديدة، أو ربما تنشأ حروب بين الدول العربية. ولأنه أيضا مازالت هناك فرصة ضئيلة أن تستطيع الولايات المتحدة من خلال تحرير الموصل التوسط في السياسة العراقية في مرحلة ما بعد داعش.
ولكي نفهم كيف، دعونا نلقي نظرة على اللاعبين الأساسيين الذين سيتنافسون على الغنيمة بعد هزيمة داعش ربما أقرب مما يتوقع كثيرون. (تحذير: هذه التفاصيل قد تسبب لك صداعا ولكنها هي المفتاح لفهم المخاطر المحدقة بعراق ما بعد داعش).
أولا، الأكراد. في الوقت الحاضر يعمل كل من الأكراد والحكومة العراقية وفق شروط معقولة لأن بغداد تحتاج إلى المقاتلين الأكراد للمساعدة في تحرير الموصل. ولكن الأكراد يسيطرون سلفا على أجزاء من نينوى التي استولوا عليها من داعش على مدى العامين الفائتين وهم يريدون هذه المناطق أن تصبح جزءا من دولة كردية مستقلة، أو على الأقل أن تكون جزءا من كونفيدرالية مرتبطة مع بقية العراق بشكل فضفاض. هذه الحدود الجديدة، ومصير الأجزاء التي يسكنها الأكراد في الموصل، تحتاج إلى التفاوض عليها مع بغداد. وبدون تلك المحادثات، فإن مرحلة ما بعد داعش يمكن أن تشهد قتالا بين الجيش العراقي والأكراد.
ثانيا، الشيعة العراقيين. بذل رئيس وزراء العراق، ، حيدر العبادي، جهودا للتعايش مع العرب السنة والأكراد. ولكن الميليشيات القوية في البلاد، التي يتم إدارتها وتوجيهها من طهران، حريصة على التفوق على الجيش العراقي وهي تلعب دورا رئيسيا في تحرير نينوى، إن لم يكن الموصل. (تود إيران تأمين ممرا إقليميا عبر نينوى إلى سوريا المجاورة، حيث تدعم بشار الأسد هناك). فإذا دخلت هذه الميليشيات معركة نينوى، فمن المرجح أن ينتقموا انتقاما دمويا من الأغلبية هناك، الذين يقلون عليهم باللوم في جرائم داعش. كما قد تحارب الميليشيات الأكراد أيضا على غنيمة نينوى.
ثالثا، السنة العراقيون. بسبب أنهم كانوا محرومين في ظل راعيهم صدام حسين، ناصر بعضهم تنظيم القاعدة ثم بعد ذلك داعش. ولكن الجزء الأكبر كان من الممكن استمالتهم من قبل قائد ذكي لو أنه قدم لهم الجزرة السياسية. ولكن ما حدث بدلا من ذلك هو أن قادة العراق ، تحت ضغط إيراني، استخدموا بالأساس العصا بدلا من الجزرة؛ بل إنهم حتى الآن لم يسمحوا للعشائر بمحاربة داعش. إن هزيمة داعش تفتح الباب أمام اتفاق جديد ربما يقدم للسنة واحدة أو اثنتين من الدول الفيدرالية، ما من شأنه أن يحفزهم على سحق ما يتبقى من الإرهابيين. ولكن في حالة صعود الميليشيات في نينوى، فهذا من شأنه أن ينهي آمال التعايش.
رابعا، اللاعبون الخارجيون، إيران وتركيا. تريد طهران عراقا ضعيفا تسيطر عليه من خلال الميليشيات ؛ وتحلم أنقرة بإعادة الإمبراطورية العثمانية وقد أرسلت بضع مئات من القوات إلى العراق على غير رغبة بغداد. ويستطيع الأكراد، ومعهم السعوديون، إثارة المشاكل عن طريق دفع وكلائهم العراقيين لمحاربة بعضهم البعض.
لذلك تستطيع أن ترى الحاجة إلى وجود اتفاق في مرحلة ما بعد داعش بين الفصائل العراقية يحدد الخطوط الفاصلة بين العرب والأكراد في نينوى والموصل. وهذا من شأنه أيضا أن يعطي السنة بعض الأمل وفي نفس الوقت يهدئ مخاوف الشيعة من عودة قوة السنة. ومن شأنه أيضا أن يحدد من الذي يسيطر على ما هو ضمن محافظة نينوى ما بعد داعش (ويشمل مناطق آمنة للمسيحيين واليزيديين الذين كانت هذه المحافظة هي وطنهم التاريخي).
إن مثل هذا الاتفاق قد يكون مجرد أضغاث أحلام، وبخاصة إذا رفض جيران العراق رفع أيديهم عن العراق. ولكن في غياب اتفاق – وهو ما سيتطلب مساعدة دبلوماسية أمريكية جادة – فإن عراق ما بعد داعش من المحتمل أن يبدو في غاية القبح. ويمكنك أن تكون على يقين من أن الجهاديين سيعودون تحت أسماء أخرى جديدة.

كاتبة عمود متخصص في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر