نيراج داوار
يعتمد جزء كبير من عملية التسويق على قيام الشركات بإيصال رسائل الى العملاء للتأثير على الشراء والاستهلاك، والواقع أن أكبر المعلنين في العالم مثل شركة بروكتر أند جامبل ونستله ويونيليفر تبيع منتجات تحت علامات تجارية يتم شراؤها بشكل روتيني واستهلاكها بوتيرة منتظمة. والغرض من عشرات المليارات من الدولارات التي تنفق على الإعلان هو مجرد تذكير المستهلكين بشراء منظفات الغسيل والقهوة والألبان وغيرها عند ذهابهم الى التسوق المرة القادمة. ولكن في غضون بضع سنوات سيصبح هذا النموذج من التسويق والإعلان أسلوبا عتيقا. وقد بدأت الأدلة على ذلك في الظهور في أنظمة الشراء الروتيني التي تقدمها شركة أمازون والتي تجعل عملية التسوق أكثر سهولة. وعما قريب سيكون اهتمام أمازون وغيرها من تجار التجزئة بمعرفة عادات وتفضيلات المتسوق ليتم ارسال الأصناف والمنتجات اليهم بطريقة منتظمة مع إدخال التحديثات المطلوبة.
وفي وقت ليس ببعيد ستقوم الخزانات والثلاجات الذكية في المنزل بعمل قائمة بالطلبات اللازمة ليتجنب المستهلك عبء إعداد قوائم التسوق ولتذكره بالمشتروات التي يحتاجها، وتقوم بنقل قائمة الطلبات الى جهة التسوق لتأتي طلبات التسوق الى المنزل في سلاسة تشبه وصول الكهرباء والمياه، وتكون مهمة العملاء الوحيدة هي الاستهلاك وحسب.
فكيف يبدو التسويق في عالم تتحدث فيه الأجهزة الذكية الى بعضها البعض؟ أولا، في عالم متصل سيصبح انفاق مليارات الدولارات على الدعاية بهدف تذكير المستهلكين لشراء علامة تجارية معينة إسراف مفرط، وبدلا من ذلك سيتم توجيه أموال الإعلانات الى بناء علاقات وزيادة معدلات الاستهلاك والتأثير على مصممي أجهزة الذكاء الصناع، ونحن نعلم بالفعل أن 90 في المئة من الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر لا يقوم أصحابها بتغيير معظم الإعدادات الافتراضية، ما يمثل ميزة كبيرة لمن يقوم بوضع تلك الإعدادات الافتراضية.
ثانيا: إعادة تعريف الولاء للعلامة التجارية، ما سيجبر المعلنين على التمييز بصورة أكثر وضوحا بين مجرد إعادة الشراء والولاء الفعلي. وسيكون السؤال الحاسم ماذا عليهم القيام به لإجبار المستهلكين على تغيير الإعدادات الافتراضية لأجهزتهم الذكية؟
ثالثا الكثير من استراتيجية التسويق اليوم تقوم على فكرة أن المستهلكين لا يفسرون المعلومات في الإعلانات وأماكن التسوق بشكل كامل، ومن ثم تخضع الاسعار الى تحيزات معرفية والانتباه الانتقائي وحفظ المعلومات. ومن ثم فإن أبحاث التسوق على سبيل المثال تركز على تحسين احتمالات أن يستجيب المستهلك لما تطلب منه الاعلانات القيام به، وتهدف الى جعل الإعلانات أكثر كفاءة من خلال زيادة معدلات التفعيل (نسبة الذين يشترون مقابل من يشاهدون الإعلان). ولكن إذا كانت الروبوتات والبرامج الذكية هي التي ستقوم باتخاذ القرار وليس العنصر البشري ( اي بدون تحيزات معرفية) سيجد المسوقون أنهم بحاجة الى مخاطبة الروبوتات، ومن ثم سيكون تركيز الأبحاث على فهم نقاط التاثير في الروبوتات: ما هي مصادر بياناتها؟ وما هي المعايير التي صممت لتحسينها؟ وما هي خوارزميات تعلمها؟ بينما ستركز البحوث على المستهلكين في قضايا استراتيجية مثل فهم أنماط الاستهلاك والحفاظ على الولاء للعلامة التجارية.
وأخيرا فإن آثار الإتصال المباشر بين الأجهزة الذكية لن يقتصر على عمليات الشراء الروتينية، والعديد من التفاعلات بين الشركة والعميل ستنتقل لتحدث بصورة مباشرة بين الشركة والمنتج. وعلى سبيل المثال ستتجه السيارات بصورة مباشرة لإتمام علميات إصلاحات السلامة من تلقاء نفسها عندما لا تكون قيد الاستعمال، ومن ثم ستزيد معدلات الامتثال والانضباط من حوالي 30 في المئة اليوم الى ما يقرب من 100 في المئة، كما أن غسالات الأطباق والمكانس الكهربائية ستحصل على تحديثات برامجها عبر الأثير، أما عبوات الدواء فلن تفتح بعد انتهاء مدة الصلاحية.
وهذه الأتمتة للتسوق والتسويق من شأنها أن تغير التفاعل بين المسوقين والمستهليكن. ومع اخراج أخطاء سلوك المستهلك من معادلة التسويق سيصبح التسويق أكثر فعالية (الوفورات من عمليات الدعاية وحدها ستبلغ مليارات دولار)، كما أن هناك فرصة حقيقية لإعادة تعريف العلاقات مع العملاء بدلا من خفض التكاليف.
أستاذ التسويق في كلية آيفي للأعمال في كندا ، ومؤلف كتاب: غير استراتيجيتك من المنتجات إلى العملاء