ديفيد إجناتيوس
ربما ليس من السهل التنبوء بما قد تسفر عنه الانتخابات الأمريكية القادمة بعد نحو ثلاثة أسابيع، ولكن الأكثر ترجيحا أن هيلاري كلينتون سيتم انتخابها رئيسة لأمريكا. وهذا أمر مهم لكثير من الأسباب، ربما يكون أبرزها أن ذلك يعني البدء في تحقيق الاستقرار في عالم غير مستقر الى حد كبير.
وقبل أيام توقع نيت سيلفر الخبير الاحصائي البارز أنه بناء على الاستطلاعات الكبرى فقد ارتفعت فرص فوز كلينتون إلى 88 في المئة، بزيادة 5 نقاط خلال أسبوع و 33 نقطة من ادنى مستوى لها في شهر سبتمبر قبل المناظرة الأولى. ويقدر سيلفر أن كلينتون حققت نحو 7 نقاط تقدم في المناظرات وهو تقريبا نفس متوسط مؤسسة ريل كلير بوليتيكس.
وبالطبع فالاحتمالات قائمة لكافة الإحتمالات في الأيام القادمة، إلا أن هذه الأرقام والاحصائيات يمكن أن تهدئ ولو قليلا على الأقل من المزاج العالمي المحموم. وقد سمعت عن اتساع رقعة القلق في أنحاء العالم، وبدا للعديد من المحللين أن روسيا فلاديمير بوتين تتقدم الى الأمام بينما تتراجع الولايات المتحدة وحلفاؤها الى الخلف.
وفي مقال نشر مؤخرا قدم رولف موات لارسن، وهو ضابط كبير اسبق في وكالة المخابرات المركزية وصفا خطيرا للصراع بين الولايات المتحدة وروسيا، وقال: كمراقب للشأن الروسي على مدى عمر طويل لم يسبق لي على الإطلاق أن كنت على هذه الدرجة من القلق إزاء العلاقات الروسية الأمريكية مثلما أنا عليه الآن، حيث تعكس الخطوات والخطوات المضادة التي تقوم بها الدولتان نموذج لعبة خطرة محصلتها صفر تحاكي واقع الحرب الباردة.
وقد دفعت الإجراءات الروسية العدوانية في أوكرانيا وسوريا وفي الفضاء الإلكتروني بعض المحللين إلى مراجعة النصوص الكلاسيكية للحرب الباردة التي وصفت الحالة النفسية لهيمنة التصعيد، حيث يقوم الخصوم بأعمال على أمل أنها هي التي ستملي القرار. ويرى بعض الخبراء أن روسيا تميل الى تصديق توهم أن الولايات المتحدة فقدت تفوقها في الأسلحة التقليدية وفي إرادتها لاستخدام تلك الأسلحة.
والواقع أن هناك المزيد من الاستقرار في المواجهات الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر مما قد يعتقده البعض. فهناك أولا محادثات دبلوماسية بين البلدين مستمرة تقريبا، وربما قد تبدو مفاوضات وزير الخارجية جون كيري الدؤوبة ( وغير المثمرة على ما يبدو) مع نظيره الروسي سيرجي لافروف هزلية، إلا أن هذه الاجتماعات تقلل من احتمال نشوب نزاع عرضي. وكذلك الحال بالنسبة للاتصالات بين الجيشين الأميركي والروسي للحيلولة دون وقوع مواجهات محتملة في سوريا. وفي الوقت نفسه تعمل وزارة الدفاع الأمريكية لانتاج أسلحة جديدة عالية التقنية من شأنها أن تستعيد التفوق الأمريكي.
كما أن الموقف الروسي الذي قد يبدو مهيمنا في هذه الصراعات هو في واقع الأمر أكثر هشاشة مما يبدو، وهذا بسبب تزايد ضعف ومعاناة الاقتصاد جراء العقوبات وانخفاض أسعار النفط.
ووفقا لمعظم المقاييس تتحرك روسيا الى الخلف، فصندوق النقد الدولي يتوقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بنسبة 0.8 في المئة، كما انخفضت الأجور الشهرية بنسبة 9.5 في المئة في السنة المنتهية في شهر أغسطس، وانخفض الاحتياطي النقدي بنحو الثلثين منذ 2014. وفقا لوليام بوميرانز كاتب مقال رأي في رويترز فقد تضاعفت تقريبا حصة الحكومة من إجمالي الناتج المحلي خلال العقد الماضي إلى نحو 70 في المئة، لتعود الى مستويات الحقبة السوفيتية، وهذا يعكس حجم الفساد الجسيم وعدم الكفاءة. وحتى في قطاع الطاقة فروسيا تفتقر إلى التكنولوجيا لتطوير الاحتياطيات الصعبة البحرية أو في القطب الشمالي.
والخطاب الدعائي الأمريكي يجعل الأمر في بعض الأحيان يبدو وكأن العالم يتهاوى، بيد أن الرئيس المقبل سيرث اقتصاد أمريكي أقوى وبنية تحالفات عالمية أكثر مما قد توحي به الأصوات المتشائمة.
والحلفاء الأوروبيون على سبيل المثال الذين يتعرضون لأزمات الهجرة والغضب الشعبي، إلا أن القيادة المركزية الهشة ما تزال تبدو متماسكة، وستتعزز قوتها بفوز كلينتون. وفي آسيا ستعمل الإدارة المقبلة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع شريكين وثيقين: كوريا الجنوبية واليابان، اللتان أصبحت علاقتهما خلال العام الفائت ( بايعاز حذر من واشنطن) أكثر صداقة.
ومن المفارقات أن أكبر تهديد للمستقبل لا يزال ربما متمثلا في مشكلة الحرب الباردة وهي الأسلحة النووية التقليدية، فكوريا الشمالية تسعى بتهور لتصبح دولة نووية، ومع أن برنامج إيران النووي تم احتواؤه، ولكن إلى متى؟ والروس الذين يدركون تأخرهم البعيد عن القوة التقليدية للولايات المتحدة (على الرغم من العمليات الاستعراضية في سوريا)، ما يزالون يعتقدون بقوة في أهميتهم الاستراتيجية من ناحية الأسلحة النووية.
ومن ثم فالانتخابات الأمريكية، وفقا للمعطيات الحالية، ربما تسفر عن تعزيز متواضع لنظام عالمي بعد فترة من التوتر. والخبر السار هو أن الأخبار السيئة قد تراجعت الى احتمالات أبعد مما كانت عليه قبل عدة أسابيع، بيد أن العالم ما يزال يحبث أنفاسه انتظارا لـ 8 نوفمبر.
كاتب مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست